«شو جبرك على المر؟»
خرجت هدى من سلك التدريس طواعية بعد أن عاشت تجربته كمعلمة وكيلة في إحدى مدارس التعليم الأساسي في دمشق، لتنضم إلى شقيقتها كعاملة إنتاج في أحد المصانع الخاصة بصناعة الكرتون وتجهيزات التغليف المتواجدة في المنطقة الصناعية في القدم، ورغم ولعها بمهنة التدريس وعالمه المحبب لقلبها، لم تستطع الصمود لأكثر من شهرين قضتهما في تعليم الصف الخامس الابتدائي فلماذا أقدمت الآنسة هدى على هذا القرار؟ وما هي العوامل التي أجبرتها عليه؟ وما هي انعكاسات هذه الظاهرة التي بدأت تتكرر كل يوم وتزداد اتساعاً؟
قصدنا خلال جولتنا في المنطقة الصناعية التابعة لمنطقة القدم أحد مصانع الكرتون وعلب التغليف والتعبئة حيث قابلنا إحدى عاملاته وخضنا معها حواراً سريعاً في محاولة منّا لرصد أوضاع العمال هناك بشكل عام ولكن التجربة الخاصة بتلك العاملة جعلنا نتوقف عند خصوصيتها نظراً لأهمية الحالة ومؤشراتها ودلالاتها وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية.
حدثتنا الآنسة هدى عن معاناتها في وظيفتها السابقة وعلى رأسها الراتب الشحيح الذي لا يتجاوز الخمسين ألفا شهرياً علماً أن كلفة المواصلات اليومية 400 ليرة بالإضافة إلى طبيعة عمل الوكيل الذي يتعرض لجملة من الضغوطات النفسية والعملية وعن حقيقة انغلاق الأفق أمام أي تطور مستقبلي بالمنظور القريب، فعلى حد قولها فهي اطلعت عن قرب على جملة من التصدعات والترهلات والفوضى في المنظومة التعليمية و بأن الارتجال والحلول الإسعافية هي سيدة الموقف هناك، وكان لا بد لها أن تتخلى عن هذه الوظيفة تاركة الجمل بما حمل فلا مستقبل ولا تحصيل مالٍ فلماذا تستمر بما لا جدوى فيه؟ وأما عن مسؤوليتها الاجتماعية اتجاه الطلاب والأطفال فأجابت إن فاقد الشيء لا يعطيه وبأنها مستعدة لمساعدة أي طفل يقصدها مجاناً ولكن في ظل هذه الظروف تبقى الحلول الفردية غير مجدية وبأن بعض زميلاتها يعتبرن بقاءهن بوظيفتهن ضرورة لهن كي يستطعن الاستمرار باستقطاب الأطفال (الزبائن) للدروس الخصوصية وبأنهن لا يعرن بالاً للراتب الذي يتقاضونه بل لما يستطعن تحصيله من تلك الدروس الخاصة.
الكحل أحسن من العمى
تتقاضى هدى خلال عملها الحالي 175 ألفاً شهرياً والمواصلات مؤمنة لجميع العمال ويعتبر هذا الأجر أكثر من ثلاثة أضعاف أجرها السابق وأضافت أنه خلال هذا الشهر قدمت الشركة تعويضاً معيشياً لعمال الإنتاج مقداره 60 ألفاً بعد أن اشتدت مطالب العمال لحدود التهديد بترك العمل لزيادة الأجور في ظل الارتفاع اليومي لتكاليف المعيشة الضرورية وعن درجة رضاها عن عملها الحالي قالت روعة إن الأجور الحالية مع التعويض المعيشي يعتبر جائراً بامتياز وخاصة لعاملات الإنتاج اللواتي لا يمتلكن مهارات فنية ومهنية وعن طبيعة العمل الشاقة سواء من طبيعته وساعات عمله الطويلة ورغم ذلك يبقى الكحل أفضل من العمى على حد قولها، وتمنت أن تصلح أحوال المنظومة التعليمية بشكل عام كي تعود إلى المهنة التي تحب لما لها من قيمة كبرى في تنشئة الجيل وصناعة مستقبل جديد للوطن والمواطن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1047