الخالة أم ضياء- شغل لآخر العمر

الخالة أم ضياء- شغل لآخر العمر

قابلناها عند بوابة أحد معامل الخياطة في منطقة الكسوة، ساقنا الفضول إليها حين قرأنا خطوط العمر المحفورة على وجهها ورعشة كفيها وانحناء كتفيها، فالخالة أم ضياء تجاوزت عقدها السادس بعدة سنوات، ومن النادر أن نجد أترابها في المعامل والورشات، استقبلتنا بابتسامتها الممزوجة بالوهن البادي على محياها، كيف لا وهي التي قضت جُلَّ حياتها في المراكز الصحية الحكومية المنتشرة في ريف دمشق كموظفة من الفئة الرابعة، ثلاثون عاماً قبل التقاعد لم تحظ إلا بالقليل من أيام الراحة ولم تحظ كغيرها من المتقاعدين بميزات التقاعد بل أجبرتها الظروف المعيشية وفرضت تخليها عن التقاط الأنفاس ولو قليلاً.

- الكسوة

تحدثنا الخالة أم ضياء عن الوضع الذي جعلها تعمل في هذه السن المتقدمة كون معاش التقاعد لا يتجاوز 60 ألفاً شهرياً يذهب بالكامل لآجار السكن وكيف أن آمالها بالاعتماد في شيخوختها على أبنائها وبناتها الأربع ابتلعتها الظروف المعيشية لأولادها حيث إنهم على حد قولها «يا دوب شايلين حالهم» ولم يشفع لهم ولها التحصيل العلمي الذي نالوه فقد توزعوا على الوظائف الحكومية برواتبهم التي لا تكفي ثمن الخبز والسكر.
أضافت بأنها بدأت العمل في هذا المعمل منذ أيام قليلة، قادمةً من معمل آخر بعد أن سافر صاحبه بأعماله وماله ومصنعه إلى مصر، وأما عن طبيعة عملها التي تنحصر بقسم التغليف والتحضير فهي ليست بالأعمال الصعبة ومناسبة لعمرها وطاقتها لكن ساعات العمل الطويلة تبقى مزعجة بالنسبة لمريض بالسكر والتهاب المفاصل كحالها.
وأما عن الأجر الذي تحصل عليه مقابل عملها الجديد الذي يبلغ 125 ألفاً شهرياً فإنه بالكاد يساعدها بتأمين دوائها الذي ترتفع أسعاره يوماً بعد يوم، إضافة إلى بعض الاحتياجات الأخرى، فهي تشفق على أولادها الذين يعانون من تدهور معيشي متسارع وتتمنى لو تساعدهم في مواجهة صعوبات الحياة.
حلمت الخالة أم ضياء بسنوات تقاعد مليئة بالهدوء والاستقرار والدفء والنشاطات العائلية والاجتماعية، ولم تتخيل يوماً أن تكون على هذه الحال و«الله لا يسامح اللي كان السبب» رغم أنها كانت تتوقع من خلال وجودها في وظيفتها الحكومية ومواكبتها للفساد المستشري في كل مكان فيها بأن نتائجه لا بد قادمة، ولكن الذي لم تتوقعه أن يكون بهذا الحجم وهذا الخراب الذي وصلنا إليه لذلك ختمت حديثها معنا «شوف يا ابني شيل الفساد من هالبلد صدقني أنو بعشر سنين بس، بصير عنا أحلى بلد».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1046
آخر تعديل على الإثنين, 06 كانون1/ديسمبر 2021 12:14