الخلاص من الفقر
يشكل ازدياد الفقر واستفحاله في المجتمع إدانة سياسية وأخلاقية للسياسات الاقتصادية الاجتماعية السائدة في البلاد، ولابد من مواجهة هذه المشكلة، حيث لم تشهد البلاد نهباً للثروة الوطنية بهذا الحجم، منذ استقلال البلاد عن المستعمر الفرنسي، بينما هناك أكثر من 80% ممن يكابدون العيش المزري وبالأخص منهم العاملون بأجر.
أصبحت ظاهرة الفقر حقيقة راسخة ومستشرية. وهنا لا نقول جديداً بأن الفقر يولّد شعوراً بعدم الأمان والمهانة، وعدم الاستقرار وضعف القدرة على التفكير أو التخطيط، والجنوح باتجاه الجريمة أو الهجرة من أجل البقاء.
والفقر سبب مباشر لاعتلال الصحة، وانخفاض القدرة على العمل، وانخفاض الإنتاجية، كذلك تدني متوسط العمر، والتعليم، ونقص المهارات نتيجة تهجيرها، وهو أي الفقر عائق أساسي للنمو.
إن الفقر ليس من صنع الفقراء لكنه نتيجة لحالات الفشل الذريع لتلك السياسات الاقتصادية والاجتماعية الحالية عديمة الجدوى التي لا تعبّر عن مصالح المجتمع، الذين يشعرون وخاصة الشباب أنهم بلا مستقبل. لا سبيل للقضاء على الفقر إلا إذا استطاعت السياسات الاقتصادية المتبعة خلق فرص للعمل، وتنظيم المشاريع، وتوفير العمل اللائق والدائم لكل طالبي العمل في سوق العمل، إن العمل هو الطريق الرئيسي للقضاء على الفقر ويتم بشكل تدريجي من خلال معرفة سوق العمل والداخلين إليه سنويّاً، وإيجاد الحلول لمشكلات سوق العمل بشكل يتيح لطالبي العمل حياة لائقة وكريمة، فمن خلال العمل يجري تكوين الثروة. التي لابد من توزيعها بشكل عادل، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية. وتعتبر مشكلة الفقر أحد التحديات التي تواجه القوى السياسية والمنظمات النقابية التي تدّعي الدفاع عن العدالة الاجتماعية.
وتقع على عاتق أطراف الإنتاج الثلاثة الحكومات، وأصحاب العمل، والنقابات ممثلي العمال مسؤولية الخلاص من الفقر. فالدولة تقوم بدور الراعي القيّم على السياسات الاقتصادية، وسبل النمو بإقامة الاستثمارات الإنتاجية، وتوزيع الثروة الوطنية، وتوفير السلع الضرورية، وتأمين الخدمات العامة، وتأمين بيئة عمل مواتية من خلال ضبط سوق العمل، وضمان الحريات النقابية، بأن تأخذ منظمات العمال مكانها الصحيح الذي يتيح لها التعبير عن نفسها، فالعمال هم المحرك الأساسي في عملية الإنتاج. ويقوم القطاع الخاص المنتج بدوره بالمساهمة أيضاً في خلق الوظائف، والاستثمار، وإقامة المنشآت.
أما العمال فيقومون بدورهم كمنتجين حقيقيين للثروة، وممثلوهم النقابيون يتمثل دورهم في الدفاع عن الحقوق العمالية والقضايا المتعلقة بالعمل من أجر وأمن صناعي ووقايتهم من خلال الصحة والسلامة المهنية، والحقوق الديمقراطية والتشريعية من ضمان اجتماعي وقانون عمل يضمن حقوقهم، وتوسيع تنظيمهم النقابي، وتحقيق مبدأ المفاوضات الجماعية مع الحكومة كذلك مع أرباب العمل وباعتبار الاثنين أصحاب عمل، ويجب على النقابات أن تدرك مدى تأثير السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تسير بها الحكومة على المنشآت الصناعية المختلفة ومكان العمل.
إن المفاوضات الجماعية التي تخوضها النقابات من أجل تحسين شروط وظروف العمل وأجر يلبي متطلبات الحياة المعيشية للعمال هي عنصر أساسي في عملية تحسين أداء سوق العمل، ومن ثم نوعية النمو والحدّ من البطالة بكل أشكالها، ووضع الإستراتيجيات المناسبة للعمل اللائق الذي يحدّ من الفقر. يحتاج الفقراء إلى التعبير عن أنفسهم لكي تعترف بحقوقهم وتحترمهم ، وكي تلبى مطالبهم، ويحتاجون أيضاً إلى القوانين الضرورية التي تنفّذ وتعمل من أجل صالحهم وليس العكس، وبدون هذه الحقوق لن يتمكن الفقراء من الإفلات من براثن الفقر، وبالتالي يحتاجون إلى قوى سياسية حقيقة تعدل ميزان القوة، إضافة إلى نقابات تتمتع باستقلالية قراراتها التي تصبّ في مصلحة كافة العاملين بأجر، وهذا لا مناص منه للقضاء على الفقر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1041