الحركة العمّالية السوريّة في العهد العثماني
في القرن التاسع عشر ومع قيام المؤسسات المانيفاكتورية الوطنية الأولى في سورية، بدأ ظهور طبقة العمال المأجورين. وفي بداية القرن العشرين، ووفقاً لمعطيات معظم الباحثين، فإن عدد العمال المأجورين في صناعة النسيج في سورية ولبنان قد بلغ 25-40 ألفاً. وفي إنتاج التريكو والجوارب المتمركزة أساساً في دمشق عمل 5-6 آلاف عامل أغلبهم من النساء اللاتي عملن في البيوت.
كما عمل بضعة آلاف من العمال في صناعة الجلود، و6-10 آلاف عامل في معاصر الزيت. وحوالي 2-3 آلاف في ورش الدباغة وبضع مئات في الصناعة الطباعية، وأن بناء الطرق وسكك الحديد وورش بناء سكك الحديد، كانت أيضاً مراكز لتجميع القوة العاملة المأجورة، حيث عمل في ورش سكك الحديد في دمشق حوالي 300 عامل.
إن تدفق البضائع الأجنبية الرخيصة من إنتاج الآلات قد خرّب إنتاج سورية الحرفي والمانيفاكتوري القديم ،حيث انخفض عدد أنوال نسيج الحرير في حلب من 4500 نول عام 1909 إلى 3490 نولاً عام 1913، وإلى 1500 نول عام 1926.
بدأت علاقات الاقتصاد التقليدية بالانهيار، واتسعت العلاقات الاقتصادية القائمة على تبادل البضائع بالنقود (العلاقات السلعية النقدية) في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. لكنّ كل ذلك لم يترافق مع نمو وتطور العلاقات الرأسمالية وتلاشي النظام الإقطاعي كما حدث في أوروبا الغربية.
أن الرسوم والضرائب المباشرة وغير المباشرة أرهقت الإنتاج المحلي ومنعته من التطور. وحتى بعد الثورة على السلطان عبد الحميد عام 1908 بقيت الدولة العثمانية عوناً للرأسمال الأجنبي على العمال. فقانون الأشغال العثماني الصادر عام 1909 قد منع الإضرابات والمظاهرات في المؤسسات المصنفة كامتياز أجنبي مثل سكك الحديد والمرافئ والترامواي والتنوير (الكهرباء).
كان بدء الإضرابات العمالية في سورية له علاقة بصعود الحركة الشعبية في عموم الشرق بتأثير الثورة الروسية الأولى 1905-1907، ومن ضمنها تركيا والبلاد الواقعة تحت الاحتلال العثماني. حيث أضرب عمّال المقالع عن العمل بتاريخ 24 كانون الثاني 1908 لأن الدولة فرضت عليهم رسوماً جديدة.
وبعد شهرين من انقلاب تموز في تركيا، أضرب عمال سكك الحديد لمدة يومين بتاريخ 30 أيلول 1908 مطالبين بزيادة أجورهم.
وبتاريخ 28 حزيران 1913، أضرب المؤذنون لأن المجلس البلدي أصدر قراراً يلزمهم بارتداء البنطال. وأضرب عمال النسيج بتاريخ 6 تشرين الأول 1913 مطالبين بزيادة الأجور.
وفي هذه الفترة، أضرب عمال السكك الحديدية في دمشق وحلب ودرعا في إضراب عام لعمال المهنة من أجل زيادة الأجور، وعلى الرغم من قلة عددهم فقد شكلوا الطلائع الأولى للطبقة العاملة السوريّة من حيث تمركزهم ومستوى وعيهم. حيث نفّذ عمّال سكك الحديد العديد من الإضرابات بين عامي 1912- 1913وكذلك عمال النسيج بحلب من أجل أجورهم.
وفي بداية القرن العشرين، كانت أفكار الاشتراكية والعدالة الاجتماعية تنتشر حول العالم، وفي سورية، ورغم الاستبداد العثماني الذي تغلغل فيه الرأسمال الأجنبي، انتشرت الأفكار الأولى حول الاشتراكية والعدالة الاجتماعية بتأثير الثورة الروسية الأولى «1905-1907»، وتأثير أفكار التنوير القادمة من مصر وأوروبا. حيث احتفل للمرة الأولى بالأول من أيار في بيروت عام 1907.
بتاريخ 17 آذار 1912، صدر في دمشق، العدد الأول من جريدة «الاشتراكية»، وهي جريدة جدّية هزلية مصورة، صاحبها ومديرها المسؤول حلمي الفتياني. وكانت «الاشتراكية» هي أول جريدة اشتراكية في سورية، وتناولت الجريدة «الاشتراكية والمساواة والحقوق والواجبات في المجتمع الإنساني والاشتراكية كمذهب». وأغلقت السلطات العثمانية هذه الجريدة بعد أقل من شهر على إصدارها.
وكانت تلك الحركات أولى التحركات العمالية في سورية ولبنان، والتي أدت إلى نشوء نقابة عمال السكك الحديدية ونقابة عمّال المطابع في بيروت عام 1914.
المراجع:
الطبقة العاملة السورية وحركتها النقابية، عرض وثائقي تاريخي 1848-2002. إعداد عابد الجباعي وحسن يوسف اللمع إصدار الاتحاد العام لنقابات العمال، ص 104
ن.ك.نيفيوديفا، على المبدأ، نضال الحزب الشيوعي السوري من أجل الجبهة الوطنية الموحدة 1936-1966، ترجمة زياد الملّا، دار الطليعة الجديدة 1992، ص 16-66-71
بدر الدين السباعي، أضواء على الرأسمال الأجنبي في سورية 1850-1958، دمشق دار الجماهير الشعبية 1967، ص 249
غ. كوساتش، نشوء الحركة الشيوعية في الشرق العربي، الجزء الأول، مجلة دراسات اشتراكية، العدد 46 تموز 1985، ص 46-47
د. عبد الله حنا، الحركة العمالية في سورية ولبنان 1900-1945، دار دمشق 1973، ص 20-49
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1041