نشوء الحركة العمالية والنقابية في السودان

نشوء الحركة العمالية والنقابية في السودان

كونت الطبقة العاملة السودانية تنظيماتها من خلال النضال الإضرابي الموجه أساساً ضد الاستعمار البريطاني لأن معظم المؤسسات في السودان كانت ملكاً للبريطانيين.

وبدأ نضال عمال السودان في مناهضة الاستعمار منذ إضراب عمال مناشر الغابات عام 1908 للمطالبة بتحسين ظروف العمل. ثم ظهرت مناقشات المقاهي، إذ بدأ العمال يناقشون قضاياهم في المقاهي الشعبية وبدأ الضغط على الاستعمار البريطاني الذي نتج عنه نشوء الأندية العمالية في مدن الخرطوم الثلاث عام 1934 والمدن السودانية الأخرى. ولعبت هذه الأندية دوراً تثقيفياً وسياسياً كبيراً في النضال ضد الاستعمار.
طالب العمال بحق تأسيس النقابات، وانتشرت الصحف الجدارية والمسارح العمالية في السودان. كما صدرت أول مجلة عمالية «العامل السوداني» عام 1946. وكانت الشرارة الأولى لنشوء النقابات بتأسيس هيئة شؤون عمال السكك الحديدية عام 1947 وصدر قانون العمل عام 1948 نتيجة الضغط الإضرابي العمالي، وصدور لائحة تسجيل النقابات عام 1948.
وفي عام 1946، تأسس الحزب الشيوعي السوداني، وتحت تأثير الحزب، أسس عمال السكك الحديدية في عطبرة أول نقابة لهم، وكانت تضم 20 ألف عامل. ونتيجة للكفاح الباسل الذي خاضه العمال، اضطرت السلطات البريطانية إلى الاعتراف الرسمي بالنقابة. وفي عامي 1948-1949 إبان النضال الإضرابي، تأسست نقابة عمال البناء ونقابة عمال الطباعة ونقابة السائقين وغيرها من النقابات التي شملت كافة المهن تقريباً.
في شهر آب 1949، وبمبادرة من نقابة عمال سكك الحديد، انعقد المؤتمر الأول للنقابات السودانية الذي نتج عنه تأسيس اتحاد عمال السودان الذي يشمل عدة منظمات نقابية، وتحت قيادة النقابات والحركة السودانية للتحرر الوطني قام العمال السودانيون بعدة إضرابات كبرى من أجل زيادة الأجور وتحسين ظروف العمل.
وكان في مقدمة الانتصارات التي حققتها الطبقة العاملة السودانية والحزب الشيوعي هو إنشاء اتحاد نقابات السودان بتاريخ 15 تشرين الثاني 1950 وهو أول تنظيم للكادحين في تاريخ البلاد على المستوى الوطني. وكان الاتحاد يضم 53 نقابة و180 ألف عامل منتسب للنقابات. وارتفع عدد النقابات السودانية منتصف خمسينات القرن إلى 84 نقابة عمالية.
حرص الاتحاد على الربط بين نضال العمال من أجل تحقيق مطالبهم الاقتصادية وبين النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني، وقد أيد الاتحاد حركة الطلاب السودانيين من أجل تكوين اتحاد وطني للطلاب بصفة رسمية من أجل وحدة عمل الطلبة والعمال.
واشترك العمال السودانيون بنشاط مع سائر الوطنيين في حركة أنصار السلام، وفي منتصف عام 1950 أعلنوا تأييدهم لنشاط اللجنة الوطنية للسلام. ورداً على اقتراح حزب الأمة الذي أوحت به السلطات الاستعمارية البريطانية حول إرسال قوات سودانية تحت مظلة الأمم المتحدة إلى كوريا الجنوبية والمساهمة المالية في الحرب ضد كوريا الديمقراطية، نظم الوطنيون السودانيون تظاهرات أدت إلى إحباط هذه الخطط.
وبتاريخ 16 كانون الأول 1951، انعقد في الخرطوم المؤتمر الأول لاتحاد نقابات السودان اشترك فيه ممثلو الأحزاب السياسية في البلاد ووفد من اتحاد عمال مصر. وقد اتخذ المؤتمر قراراً بإضافة باب إلى النظام الداخلي حول المهام السياسية للاتحاد، وقد نص هذا الباب على النضال من أجل جلاء القوات الاستعمارية البريطانية عن البلاد والتحرير الفوري للسودان اقتصادياً وسياسياً من السيطرة الإمبريالية، والنضال ضد خطر الحرب واستخدام أراضي السودان للأغراض العسكرية. كما اتخذ المؤتمر قراراً بمساندة نضال الشعب المصري من أجل الاستقلال. وهكذا التحمت الحركة النقابية في السودان بشكل أوثق مع النضال من أجل التحرر الوطني.
وبمبادرة من الحزب الشيوعي السوداني، وبمساعدة النقابات، تكونت أولى المنظمات الفلاحية في البلاد مثل اتحاد مزارعي المديريات الشمالية واتحاد مزارعي القطن في طوكر ودلتا نهر القاش واتحاد مزراعي منطقة جبال النوبة. وقد ساعد الشيوعيون السودانيون على تأسيس منظمات تقدمية أخرى مثل اتحاد الطلبة السودانيين واتحاد النساء العاملات واتحاد ربات البيوت.
وخاض المزارعون تحت قيادة اتحاداتهم نضالاً ضد الاقطاعيين وملاكي الأراضي والإدارة الاستعمارية، فامتنعوا عن دفع الضرائب وعن تنفيذ تعليمات السلطات الاستعمارية البريطانية.
منح قانون العمل السوداني الحرية الكاملة للعمال بالعمل الجماعي في سبيل تحسين شروط العمل وظروفه، ولم يمنع القانون إضراب العمال ما دام الإضراب خاصاً بالعمال والنقابات. وهذا ما سمح بدفع العمل النقابي في السودان إلى الأمام. كما أقر القانون ساعات العمل الثمانية وتعويضات العمال وبقية الحقوق العمالية الرئيسية.
وكانت أجور العمال السودانيين قبل الحرب حوالي 180 قرشاً مصرياً في الشهر، أي ما يعادل 14 ليرة سورية. وأصبحت هذه الأجور في الخمسينات 580 قرشاً مصرياً في الشهر مضافاً إليها 25% تعويض غلاء المعيشة، أي 725 قرشاً في الشهر، أي ما يعادل 66 ليرة سورية. وتشكلت لجان تحديد الأجور في النقابات.
وتصاعد نضال الطبقة العاملة السودانية بعد انقلاب عام 1958، احتجاجاً على حل النقابات وتخفيض الأجور وصدور قانون العمل الرجعي. وتعرض القادة النقابيون إلى محاكمات صورية بهدف شل الحركة النقابية، وعلى رأسهم الشفيع أحمد الشيخ سكرتير عام اتحاد النقابات في السودان الذي حكمته المحكمة بخمسة سنوات سجن مع نقابيين آخرين عام 1959.
أضرب عمال السكك الحديدية عام 1959 احتجاجاً على اعتقال العمال والنقابيين والوطنيين مثل عبد الخالق محجوب، وكان ذلك مناسبة لحدوث مظاهرات شعبية وإضرابات عمالية عديدة. وصدرت جريدة الطليعة جريدة النقابات السودانية بشكل سري بعد إغلاقها. وأضرب عمال سكك الحديد عام 1961 مطالبين للعودة إلى قانون العمل لعام 1948 وزيادة أجور العمال بنسبة 45% ورفع حالة الطوارئ. وحدثت إضرابات عديدة شهري حزيران وتموز 1961. وانعقد مؤتمر العمال السودانيين رغم ظروف الإرهاب 1963 مؤكداً على مطالب العمال العامة. إلا أن الحكومة عرقلت تنفيذ القرارات.
وتحت ضغط الحركة العمالية أعيد تأسيس نقابة عمال سكك الحديد عام 1963، وجرى تزييف الانتخابات النقابية في نقابة السكك، فاحتج النقابيون على ذلك. كما وافقت السلطات على تأسيس اتحاد عام للنقابات وتعديل قانون العمل.
قامت الحكومة بتشريد نصف عمال شركة الكيماويات السودانية، ورفضت الاعتراف بنقابة المنسوجات الأهلية. ولكن تواصلت الإضرابات العمالية من أجل حق تأسيس نقابات. حيث أضرب عمال المطابع والكبريت والأقطان والزراعة وعمال الوزارات والغابات والمشاريع الإنشائية. كما خاض اتحاد المزارعين نضالاً عنيداً.

مراجع تاريخ الحركة العمالية السودانية

تاريخ الأقطار العربية المعاصر 1917 – 1970، أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفييتي، طبعة دار التقدم 1975، طبعة دار الفارابي 2015.
تاريخ نقابة عمال السكة الحديد والحركة النقابية في السودان 1906-1961 على محمد بشير موسى 2007.
الحزب الشيوعي السوداني ثورة شعب، توثيق لثورة أكتوبر 1964 وست سنوات من النضال ضد الحكم العسكري. منشورات الحزب الشيوعي السوداني 1965.
عبد الخالق محجوب، لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني 1987.
الحركة العمالية نظام النقابات في السودان، غير مذكور اسم المؤلف أو تاريخ النشر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1038
آخر تعديل على الإثنين, 04 تشرين1/أكتوير 2021 04:03