الحقّ في الأجر والحياة
يعيش أغلبية الشعب السوري على الأجور الشهرية، حيث هي المصدر الأساسي للدخل. ومن هنا تنبع أهمية الأجور وحقوق العمال في مقابل عملهم هذا، وقد رفعت الحكومة الحد الأدنى للأجور بناءً على ما يسمى الزيادة الأخيرة بواقع 50% بعد منتصف هذا العام 2021
إذاً، فإن الحد الأدنى للأجور ارتفع بمقدار نسبة هذه الزيادة، ولكن هذا لا يتطابق مع الحد الأدنى للمعيشة، بل لم يكن منظوراً مقارنة بالفجوة الكبيرة بين هذه الأجور والارتفاعات الكبيرة في الأسعار لجميع المواد وخاصة الأساسية منها، التي قامت الحكومة برفعها أضعاف تلك التي سمّيت زيادة للأجور.
وأصبحت أخبار مثل هذه الزيادة للأجور لا تثير السعادة لدى العمال، فهي نذير شؤم عليهم، لأن المطلوب زيادات كبيرة بحيث تتناسب الأجور مع الأسعار، ولكن ما يجري أن نسب الزيادة محدودة، وزيادات الأسعار غير محدودة، وتسبق الزيادة عقب كل خبر عنها بأشواط، ما يجعل الأمل عن طريق الزيادات المحدودة في الأجور مقتولاً، وتتباهى الحكومة عند حضورها كل اجتماع مجلس عام لاتحاد نقابات العمال بأن الأجور قد تضاعفت من كذا إلى كذا، وهي في المقابل تغفل التضخم الكبير الحاصل في البلاد، كما تغضّ الطرف أيضاً وهي من الأهمية بمكان عن نسبة موازنة الأجور إلى الناتج المحلي الإجمالي.
تصنف الدول عالمياً حسب نصيب أجور العمال من الناتج المحلي الإجمالي. فالدول ذات النسبة المرتفعة للأجور هي الدول التي تتمتع بدرجة أعلى من التوازن الاقتصادي والاجتماعي. مثال ذلك في ألمانيا وهولندا والبرازيل تتراوح نسبة الأجور بين 50% و60% من الناتج المحلّي الإجمالي، وهي أيضاً تتمتع بدرجات استقرار أعلى للنظام الاجتماعي. وهذا يعني أيضاً أنه مع ارتفاع حصة النهب والفساد من الناتج المحلّي ترتفع نسب التفاوت في توزيع الدخل بين أعضاء المجتمع، وهذا النمط من العلاقات يعزز من تمركز الثروة الوطنية في أيدي فئات محددة من ذوي الحظوة والنفوذ وهو السائد في بلادنا. إن قضية الأجور من أهم القضايا، لا بل على رأس القضايا التي تهم المواطنين والعمال خاصة، ويجب العمل على رفع الحد الأدنى للأجور ليعادل متوسط تكاليف ومتطلبات الحياة المعيشية للعاملين بأجر، وهو أحد أهم الوسائل لمقاومة الفقر الذي يعدّ عاراً اجتماعياً لا بدّ من استئصاله. والسؤال هنا هل مازالت النقابات تحلم بالإصلاحات التي سوف تقوم بها الحكومة من خلال وعودها المتكررة وأنها سوف تنجز يوماً ما، أم إنها تخاف من المواجهة الحقيقة مع هذه الحكومات التي لا ترفض مطالب العمال والنقابات فحسب بل هي تعمل على شفط وسحب كل المكاسب السابقة التي حققتها الطبقة العاملة بنضالاتها المختلفة، النقابات عندما ينحصر عملها في معالجة النتائج التي وصلت إليها الطبقة من البؤس والفقر والحرمان لحقوقها التشريعية والمعيشية، بعيداً عن الأسباب الحقيقية التي أوصلت العمال إلى ما آلت إليها اليوم، وتقديم التنازلات لمصلحة ناهبي قوت العمال وخيرات البلاد من حيث تدري أو لا تدري، ولا تقوم باستخدام أدواتها النضالية والكفاحية، بهذا فهي تعرقل تقدم الطبقة العاملة والحركة النقابية من خلال صمتها على ما تنتهجه الحكومة من إجراءات أقل ما يقال فيها إنها لا تلبي مصالح العمال والفقراء عموماً، وتصبح هذه النقابات عقبة في طريق تقدم حركة الطبقة العاملة بدلاً من أن تكون أداة لتقدمها، وتطورها حيث تتحول النقابة إلى وسيط منحاز إلى غير مصالح العمال مما يفقدها صلاتها بين صفوف العمال على خطوط الإنتاج وسط المعامل، وهذه النقابة تتميز بأنها تسعى إلى السيطرة على التحركات والنضالات العمالية وإعاقة تطورها هذا من جانب، ومن جانب آخر في نفس الوقت لها مصلحة كبرى في عدم دفع الأمور إلى استخدام الطبقة العاملة أدوات نضالها لتحصيل حقوقها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1034