المسؤولية الاجتماعية ومعالجات الدولة

المسؤولية الاجتماعية ومعالجات الدولة

ظهرت المسؤولية الاجتماعية اتجاه العاملين مع ظهور المجتمعات البشرية وتطورت بتطورها لتحقيق متطلبات الحياة، وذلك منذ ظهور الثورة الزراعية التي بدأت في منطقة الشرق الأوسط قبل آلاف السنين التي مضت، والثورة الصناعية التي ظهرت في أوربا منذ بضع مئات من السنين التي مرت، وتباينت الحاجة إلى القوى العاملة من مكان لآخر ومن مرحلة تاريخية إلى أخرى حسب الحاجة وضرورات العمل والإنتاج الزراعي منه أو الصناعي، وتقدمه وتطوره، ولهذا ظهرت تلك النظم والمبادئ لتنظيم علاقات العمل في المجتمع.

ومع ظهور الرأسمالية وتعقد الحياة فيها، والصراعات السياسية والاقتصادية، واستمرار غياب تكافؤ الفرص، وعدم التوزيع العادل للثروة، وفقدان العدالة الاجتماعية، ظهرت مشكلة العاطلين عن العمل، - فوفق تعريف منظمة العمل الدولية العاطل عن العمل بأنه كل فرد قادر على العمل وراغب أن يعمل فيه ويقبله عند المستوى المعيشي الأدنى، ولكنه لا يستطيع الحصول عليه- وازدياد الاستغلال للطبقة العاملة مع غياب التشريعات التي تحمي حقوق العمال، ظهرت النقابات التي ناضلت ومازالت مستمرة في النضال للحد من الظلم والاستغلال للطبقة العاملة، وبدأت بالضغط لإصدار التشريعات الضرورية التي تحدد من خلالها علاقة طرفي الإنتاج (قوة العمل– قوة رأس المال) من أجل تحسين شروط وظروف العمل بحيث تصبح أكثر إنسانية من خلال تلك الأدوات التي اكتشفتها وخبرتها.

تعتمد المسؤولية الاجتماعية على العديد من المرتكزات والتي منها: المسؤولية الفاعلة في تنمية المجتمع، الوضوح في الأعمال التي تقوم بها دون تلاعب أو لف ودوران، التزام المؤسسة بالمبادئ الأخلاقية أمام العاملين واحترامهم، وأمام المجتمع، دعم استقرار المجتمع من خلال استقرار العاملين فيها. وهنا لابد من التنويه والتأكيد بأن المسؤولية الاجتماعية هي استثمار في المجتمع وليست عملاً خيرياً تقوم به الدولة أو أصحاب الأعمال اتجاه العاملين والمجتمع، بل هو التزام وواجب اتجاه العمال والمجتمع ككل، أي: ليس المطلوب من أرباب العمل تقديم الإحسان أو الصدقة على العمال أو الفقراء فقط لا بل عليه الالتزام بواجباته المنصوص عليها بالقوانين النافذة اتجاه الطبقة العاملة والمجتمع، وهذا الاستثمار ليس فيه احتمال للخسارة للمجتمع. أما المبادئ والواجبات التي يجب توفرها كي تأخذ المسؤولية الاجتماعية دورها وتحقق نجاحها والغاية منها تتجلى: احترام قواعد القانون وإشراك ممثلي العمال في النقابات في إعداد قوانين وأنظمة العمل. تأمين حقوق العمال من أجور تناسب متطلبات المعيشة. وتأمين أماكن السكن المناسبة. وكذلك حماية بيئة العمل وتحسينها ومكافحة التلوث فيها. تحقيق الأمن والأمان أثناء العمليات الإنتاجية وذلك بتوفير الأمن الصناعي الضروري والمناسب. تشميل كافة العمال بمظلة التأمينات الاجتماعية بأجورهم الحقيقة. وتوفير نظام للرعاية الصحية وتأمين وسائل النقل. عدم الإساءة إلى العامل وحفظ كرامته. دفع الضرائب الواجبة على أرباب العمل وعدم التهرب منها. وكانت خيبة أمل الطبقة العاملة كبيرة مع تبني ما سمي اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي تم من خلاله تدمير ونهب كل شئ، حيث كانت النقابات شبه غائبة عما يجري من أحوال الطبقة العاملة والمجتمع عامة، وبرزت فئات جديدة متخمة بالثراء، ووسط هذه التناقضات ارتفعت نسب البطالة إلى مستويات قياسية وزاد من سوء الحال تهميش غالبية مؤسسات ومنشآت وزارة الصناعة، وكذلك أيضاً إضعاف الزراعة من خلال غلاء التكاليف وخاصة المحروقات، وظهور القطاع الخاص الذي يبحث عن الربح السريع في الاقتصاد الهامشي، مما يجعل من الصعب أن تنهض صناعة محلية. وقامت الدولة باحتواء جزء من جيش البطالة في عمالة غير منتجة.

لقد أدى ضعف دور الدولة والتخلي عن مسؤوليتها الاجتماعية إلى خلل كبير في المجتمع وفقدت العلاقة بين أطراف الإنتاج لتوازنها الذي كان يساهم في عملية استقرار المجتمع لذلك أصبحت اليوم من المطالب الأساسية للتنمية الاقتصادية. ورغم كل المصائب والمصاعب التي حلت بالبلاد والعباد مازالت الحكومة متمسكة بتلك السياسات التي كانت عاملاً حاسماً في تدمير البلاد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1022