القانون في خدمة رأس المال
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

القانون في خدمة رأس المال

القوانين عادة تعبّر بجوهرها عن المصالح العميقة للطبقة السائدة، ولهذا فإن ضرورات هذه الطبقة تقتضي بناء المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية بما يحقق السيادة والهيمنة لهذه الطبقة سياسياً واقتصادياً، ولا يضيرها من تمرير بعض القضايا في التشريعات والدستور، تشير إلى بعض الحقوق للغالبية العظمى من بقية الطبقات، التي توسم بأنها فقيرة، ولكن حتى هذه الحقوق التي تثبتها القوانين، بما فيها أبو القوانين «الدستور» يجري التحكم بطرق تأمينها لتلك الغالبية بما لا يتناقض مع تحقيق الربح الأقصى الذي تسعى إليه الطبقة السائدة، وتعمل على تحقيقه بشتى الوسائل المتاحة لها وهي كثيرة.

 الأمثلة كثيرة على ما نقوله، ابتداءً بمواد الدستور المتعلقة بأن الدولة ملزمة في تأمين فرص العمل، وتأمين الأجور التي تكفل مستوىً معيشياً للعمال، ولكل العاملين بأجر، يحفظ لهم كرامتهم وإنسانيتهم، وليس انتهاءً بحق الإضراب كوسيلة أكدها الدستور، وهي حق مشروع للعمال من أجل الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، وبهذا يكون أصحاب الحل والعقد هم من يضعون العصي في عجلات دوران الدستور، ويضعون الحجج والمعيقات والتبريرات المختلفة بما فيها القمعية، كي لا يصل العمال ومن يشبههم إلى حقوقهم، التي تذهب لتعزيز ونهب الثروة التي ينتجها هؤلاء.
ما أن نعلم أن هناك إضراباً عمالياً أو حتى مظاهرةً، حتى تسارع الدولة لتعلن عبر أدواتها المختلفة عن مواجهة ذلك، تحت بند: أن هدفها هو تطبيق القانون وفرض سلطة الدولة، وهي في هذا المجال محقة ربما، لكن بالمقابل: لماذا لا نسمع عن حماية القانون، وضمان تطبيق الدولة لنصوص الدستور التي تؤيد الإضراب، وتنادي بالعدالة الاجتماعية، وربط الأجور بالأسعار؟ بل نرى دائماً: أن الدولة هي التي تخالف الدستور وعدم تطبيقه، وتصدر قوانين تتعارض مع أحكامه؟.
الدستور الجديد عام 2012 جاء نتيجة للحراك الشعبي السلمي الذي انطلق عام 2011 حيث الضرورة فرضت جملة التغييرات التي جاءت بالدستور: كحق الإضراب، وتغيير المادة الثامنة القديمة وغيرها من المواد التي بقي تطبيقها معطلاً، كما هي حقوق المواطنين الأخرى المنصوص عليها في الدساتير السابقة، لأنه حسب مقولة من يملك يحكم، فإن قوى الرأسمال التي تستحوذ على نسبة 87% من الدخل الوطني هي التي تحكم، ولن تنفذ هذه النصوص، بل ستعمل على الحفاظ عليها، وستعمل على زيادة أرباحها على حساب أصحاب الأجور.
الدولة تعمل على إصدار القوانين التي تتلاءم مع مصالح قوى رأس المال والتي تؤمن لها البيئة القانونية اللازمة لزيادة أرباحها، عبر نهب أصحاب الأجور، بحيث يصبح نهبهم قانونياً، ولو كانت مخالفة «للدستور» إلا أنه يكفي أن تفرض السلطة، سلطة الأمر الواقع على باقي فئات الشعب، مستعينة بنصوص دستورية وقانونية قديمة «كقوانين العمل» تفرض من خلالها سطوتها على الشعب المنهوب.
لِمَ لا؟ والأزمة ساهمت بتعميق الفساد وزيادة سطوته تحت شعار: محاربة الإرهاب، وتم تمرير العديد من القوانين الهامة لصالح قوى الفساد، مثل: قانون التشاركية، وقوانين الاستثمار، والمرسوم رقم 66، واليوم تستغل هذه القوى شعار إعادة الإعمار لتمرير قوانين تؤمن لها مستوى نهب عالٍ على حساب المواطنين، من خلال قانون الاستثمار الذي صدر منذ يومين، أو من خلال القانون رقم 10 الخاص بالمناطق التنظيمية، والذي يعتبر نقلةً نوعيةً لقوى الفساد، وشركات التطوير العقاري والمستثمرين.
حتى لو خرج علينا من يعطينا دروساً في القانون، ويشرح لنا مصداقية حكومتنا، ويعطي الشرعية لأفعالها وتصرفاتها، فمن قال إن الحقوق والقوانين خارج الصراع الطبقي في المجتمع؟ بل القوانين في ظل المجتمع الطبقي تصبح أدوات رأس المال لفرض ما «يناسب مصالحها» على المجتمع، وتتطلب منهم احترامها تحت غطاء: أنها قانونية وشرعية، وصدرت وفق الأصول المرعية والدستور.
فأي إضراب عمالي اليوم للمطالبة بزيادة الأجور، أو لتعديل لقوانين العمل، وقوانين التشاركية والاستثمار، هو بحد ذاته دعوة إلى تطبيق القانون، وفرض هيبة الدولة، وهو عمل وطني من الدرجة الأولى، يفضي إلى حماية الدستور، ووقف التعدي عليه من قبل أي كان، سواء من الحكومة عبر تشريعاتها وسياساتها، أو من قوى الفساد المُخدِّمة لمصالحها بتلك السياسات.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1019