الأول من أيار والطبقة العاملة

الأول من أيار والطبقة العاملة

الأول من أيار عيد العمال العالمي، يوم النضال والتضامن العمالي من أجل المصالح والحقوق الاجتماعية الاقتصادية النقابية والوطنية. وهو تخليدٌ لذكرى واستمرار نضالات الطبقة العاملة وتضامن العمال العالمي، ويعود أصل هذا الاحتفال بالأول من أيار لأواخر القرن التاسع عشر عندما نظم العمال في شيكاغو إضراباً عاماً شارك فيه مئات آلاف العمال يطالبون بتحديد يوم العمل بثماني ساعات ضمن شعار ثماني ساعات عمل ثماني ساعات راحة ثماني ساعات نوم، وكان العمال يأخذون أجوراً زهيدة مقارنة بما ينتجونه من قيمة زائدة، وقد حقق الإضراب نجاحاً كبيراً.

بدأ نشوء الطبقة العاملة في سورية مع انهيار الدولة العثمانية ودخول الرساميل من دولة الاحتلال الفرنسي إلى سورية بشكل متزايد في البنوك والكهرباء والمرافئ والخطوط الحديدية والريجي واستثمارات أخرى مختلفة. وأخذ الوعي الطبقي للطبقة العاملة وفهمها لترابط الاستغلال الطبقي والاضطهاد الاستعماري يتبلور بالتدريج مع نمو روحها النضالية، رغم أن نشأتها لم ترتبط بسقوط الإقطاعية وصعود البرجوازية كما حدث في البلدان الرأسمالية. وقد قام العمال بالعديد من الإضرابات والاعتصامات في مختلف أنحاء المدن التي كانوا يتواجدون فيها مما ساهم في زيادة وعي الطبقة العاملة الناشئة.

تعثر الحل السياسي

والأول من أيار لهذا العام يختلف فيما يحيط به من ظروف ووقائع، ذلك كونه يأتي في ظل تعثر الحل السياسي للأزمة الوطنية التي عانت منها البلاد، منذ انفجارها عام 2011، وفي ظل أشكال غير مسبوقة من تسارع النهب لمقدرات وإمكانات وثروات البلاد والشعب، وتخريب الزراعة وعرقلة إعادة تشغيل الصناعة لدى قطاع الدولة والقطاع الخاص. ومنعها من التطور والاستمرار إلّا لذوي الحظوة، واستمرار السياسات الحكومية التي ساهمت في انفجار الأزمة والاستغلال المكثف للعمال، ونهب قوة عملهم من خلال تجميد الأجور، واستفحال الغلاء الذي أدى إلى زيادة الإفقار والبطالة وتدني مستوى المعيشة وارتفاع تكاليف الحياة وتآكل قيمة الأجور، مما جعل الوضع المعاشي للعمال يزداد سوءاً، في ظل إنكار حقهم في التعبير عن مطالبهم والدفاع عنها بالأشكال المشروعة من إضراب واعتصام، ونتيجة لهذه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وفشل الإجراءات الحكومية، وتزايد مواقع قوى الفساد وآلية نهبها والاستحواذ على مقدرات المال العام وتبديدها، أصاب الإحباط الكثير من الفئات الشعبية بما فيهم العمال وفقدوا الأمل بالمستقبل، مما قد يدفع إلى تعريض الأمن الاجتماعي، وتماسك المجتمع إلى حافة الخطر.

تفعيل المنظمة النقابية

الطبقة العاملة اليوم تبحث عن تنظيمها النقابي رغم وجوده المتمثل بمقراته المختلفة في المحافظات ووجود مقره العام، إلّا أن الطبقة العاملة لا تراه بسبب بعده عن قضاياها المختلفة، وقربه من مصالح السلطة التنفيذية وأصحاب العمل في الدولة وفي القطاع الخاص، ومن أجل تفعيل المنظمة النقابية لدورها، عليها تبني برنامج عمل يلبي مصالح وطموحات الطبقة العاملة من أجر عادل وحقوق تشريعية وديمقراطية تتضمن حقها المشروع في الإضراب والاعتصام والتظاهر من أجل حقوقها، وتأمين مستلزمات الأمن الصناعي والصحة والسلامة المهنية.

قوى النهب والفساد

إن الخروج من الأزمة الاقتصادية الاجتماعية وأثارها على الطبقة العاملة، مرهون ومرتبط بالتخلص من السياسات الفاشلة من قبل الحكومات المتعاقبة المعمول فيها، ووضع أولويات وبرامج مستمده من احتياجات الناس والفئات الشعبية والطبقة العاملة. وليس من مصالح قوى النهب والفساد المتوحشة. وذلك بمشاركة ممثلي أطراف الإنتاج الثلاثة بشكل متوازن وحقيقي، وذلك بما يتطلبه التحول والتغيير الشامل والجذري المنشود والقابل للتحقيق، من خلال الاعتماد على سياسات تلبي المصالح العمالية، وتقوم على الحوار والديمقراطية والتمسك الحازم والثابت بوحدة الحركة العمالية والنقابية.

في معظم دول العالم يقوم العمال احتفاءً بالأول من أيار بالمظاهرات والاعتصام والإضرابات رافعين الأعلام الحمراء التي ترمز للحركة العمالية، وإشارة إلى مطالبة العمال بالعدالة الاجتماعية، وهي أيضاً رمز لوحدة وتضامن العمال على الصعيد العالمي. لقد أدرك العمال أن اتحادهم ونضالهم ضد الاستغلال من خلال الإضرابات والاعتصام والمظاهرات والاحتجاجات المختلفة الأخرى، هو الطريق الوحيد لتحسين شروط وظروف عملهم ومعيشتهم وحقوقهم الديمقراطية. لقد حققت الطبقة العاملة السورية من خلال تنظيمها النقابي في خمسينيات القرن الماضي مكاسب وحقوق هامة، من تثبيت الساعات الثمانية للعمل والضمان الاجتماعي والأجر المناسب وغيرها، إلّا أن حجم هذه المكاسب والحقوق بدأ بالتراجع في العقود الثلاثة الماضية، بسبب تلك السياسات الاقتصادية الليبرالية التي تبنتها الحكومات المتعاقبة من خلال التشريعات القانونية المختلفة، من قوانين عمل وقوانين الاستثمار، مما زاد في معدلات البطالة والتهميش وصولاً إلى انفجار الأزمة.

الاحتفال بهذا اليوم ليس مجرد تظاهرة بروتوكولية نتحدث فيها عبر الميكرفونات في مهرجانات خطابية عن مكانة العمال وإنجازاتهم في الوقت الذي تعاني فيه الطبقة العاملة في ساحات الوطن ظروفاً تعسفية لا تحترم فيها إنسانية العامل وحقه في العيش بكرامة، من خلال فرض الشروط القاسية على العمال كالأجور التي لا تتناسب بالمطلق مع مستوى المعيشة بسبب الغلاء والفساد المستشري في البلاد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1016