الطبقة العاملة وضرورة التغيير
المؤشرات السياسية على الأرض تؤكد على وجود حلول سياسية للأزمة السورية، والتبدل في مواقف الأطراف المختلفة الدولية والإقليمية التي لها علاقة بالأزمة السورية، نتيجة التغير في موازين القوى، تؤكد على تلك المؤشرات، بالرغم من كل المواقف التي يطلقها المتشددون لإعاقة أية حلول يمكن أن تؤمن الوصول إلى حل سياسي يُنهي الأزمة السورية على أساس المصالح العميقة للشعب السوري.
مرحلة جديدة..
هذا يعني: أن مرحلة جديدة من الصراع ستبدأ، الأساس فيها الطاولة المستديرة التي سيطرح عليها كل طرف ما لديه من الأفكار والتوجهات والبرامج المعبرة سياسياً وطبقياً ووطنياً عما ستكون عليه سورية القادمة. وبالتالي، سيتم تحشيد القوى بهذا الاتجاه، اتجاه الفعل السياسي الذي لابد أن يشارك فيه أصحاب المصلحة الحقيقية من عمال وفلاحين وحرفيين والقوى المجتمعية الأخرى، وهذا العمل خاضع في النهاية لموازين القوى التي لابد أن تتغير على أساس القناعة بأن الحل السياسي هو الحل الوحيد الذي سيخرج البلاد والعباد من المحنة الكبيرة، التي لم يكن لهم ناقة ولا جمل في الشكل الذي سارت عليه الأزمة.
لقد تشكلت على الأرض وستتشكل لاحقاً، اصطفافات مجتمعية وسياسية، سيكون لها الدور المهم في دفع العملية السياسية باتجاه الحلول الحقيقية للشعب السوري، وهي من ستحدد مستقبل سورية القادمة المرهون مستقبلها بخيارين أساسيين:
إما أن تكون سورية مستقلة بقرارها السياسي والاقتصادي مؤمنةً مطالب الشعب السوري، وخاصة حاجاته الأساسية التي يفتقدها الآن بسبب السياسات الليبرالية، ومحافظة أيضاً على وحدتها الوطنية والجغرافية، وهذا يعني: أن تكون ديمقراطيةً، يملك الشعب فيها سلطته الحقيقية، ومقاومته للمشاريع والقوى الاستعمارية، وفي مقدمتها العدو الصهيوني.
أو تكون سورية في المقلب الآخر، وهذا ما تسعى إليه الأطراف المتشددة بعمليات الإعاقة لمسار الحل السياسي، الذي بدأ يركب على السكة من خلال البدء بجلسات اللجنة الدستورية، التي هي بوابة وبداية انطلاق الحل، حيث تعثر مسارها مؤقتاً، وهذا يتصادم مع إرادة ومصالح الشعب السوري وتاريخه الوطني المعادي للمشاريع والأحلاف الاستعمارية من كل شاكلة ولون.
مقدمات الانتصار
إنَّ مقدمات الانتصار في الصراع السياسي القادم على القوى المتشددة في الطرفين- التي لها مصلحة حقيقية في إدامة الأزمة واستمرار نزيف الدم السوري- يعتمد على الدور الذي ستلعبه القوى الوطنية من أحزاب ومنظمات مجتمعية، ونقابات عمَّالية ومهنية، في خلق موازين القوى الكافية والقادرة على التصدي لما هو مرسوم لسورية القادمة، وذلك اعتماداً على إرادة الشعب السوري بأغلبيته الفقيرة، بضرورة التغيير الجذري الذي سيحقق للشعب معالجة حقيقية.
يجري الإعداد منذ فترة ليست بالقصيرة لليوم الأول لما بعد الأزمة من برامج ودراسات اقتصادية واجتماعية، والإعداد لمرحلة الإعمار، وكيف ستؤمن الموارد لهذا الغرض، ومن سيدير تلك المهمة وكيف ستدار وطنياً.
تلك المشاريع توضح رؤية تلك القوى والجهات التي تريد الاستثمار في الأزمة السورية وحقوق السوريين، وتعكس إلى حدٍ بعيدٍ ما يُرسم لسورية وللشعب السوري، خاصةً الفقراء منهم.
إنَّ الفقر والبطالة ومدن العشوائيات وتراجع الإنتاج الحقيقي في قطاع الدولة والقطاع الخاص، وتعزيز الاتجاه نحو الاقتصاد الريعي، وتدني مستوى الأجور الحقيقية والاسمية، وارتفاع الأسعار الفاحش وارتفاع مستوى النهب ومركزته... إلخ. هذه خارطة الطريق لسورية، التي عملت على تطبيقها قوى رأس المال وقوى الفساد في مراحل ما قبل الأزمة، وتعمل على استكمالها بخطوات مدروسة وواضحة المعالم، فالإنتاج الآن في أسوأ حالاته من فقدان للمواد الأولية، ونقص كبير في اليد العاملة، وتوقف لخطوط الإنتاج، وكساد لما ينتج من بضائع على قلتها، الآن استكملت الحكومة إجراءاتها بإيقاف التشغيل عبر إيقاف المسابقات التي تم الإعلان عنها، أي: إن الحكومة قد زادت الطين بلة بجعل طالبي العمل، وهم بتزايد على قارعة الطريق ليبحثوا عن فرص عمل أخرى ليسدوا فيها الرمق إن وجدت.
إنَّ جملة السياسات الليبرالية التي تُتبع منذ ما قبل الأزمة وحتى الآن، تلتقي في منهجها وخطواتها مع جملة المشاريع التي طرحتها، وما زالت تطرحها المنظمات الغربية، للشكل والمضمون المفترض أن تكون عليه سورية، وستكون تلك المشاريع على طاولة الحوار القادم لليوم الأول لِما بعد الأزمة، وهي مجال للصراع بين برنامجين لا ثالث لهما، برنامج المنهوبين وبرنامج الناهبين، كما تؤكد على ذلك دراساتهم، المشرفة على إعدادها المراكز المالية الغربية «منظمة الإسكوا، وصندوق النقد الدولي....»، ومراكز الأبحاث التابعة لها، لتكون مكملة لما يطرح سياسياً من الحلول التي يحاولون تسويقها، ومحصلتها إن نجحوا، تقاسم الغنائم بين قوى الفساد في الخارج والداخل، مع تغيير في الحصص وفقاً لوزن كل طرف.
تلازم المعركتين.. التغيير والتحرير
إنَّ المعركة السياسية قد تكون ضراوتها أشد من ضراوة المعارك العسكرية، بسبب علاقتها بالمصالح العميقة للشعب السوري السياسية والاقتصادية، ولخوضها يتطلب من القوى الوطنية، وفي مقدمتها الحركة النقابية التي من المفترض- واستناداً للمصالح الوطنية للطبقة العاملة- أن ترى مجمل التغيرات القادمة، وتعمل على أساس أن تكون فاعلة وطرفاً رئيساً فيها، وفقاً لمصالح وحقوق الطبقة العاملة السورية السياسية والاقتصادية والديمقراطية.
الطبقة العاملة السورية ستكون جزءاً من القوى المجتمعية، المنظمة تنظيماً يمكّنها من خوض المعركة بنجاح سياسياً ووطنياً، والطبقة العاملة السورية يقع على عاتقها الإسهام الفعلي في قيادة عملية التغيير الجذري، لما تحمله من عناصر قوة أساسية تمكِّنها من خوض المعركة إلى نهاياتها، باعتبار أن لها مصلحة طبقية وسياسية ووطنية بعملية التغيير الجذري، إلى جانب كل القوى الوطنية الأخرى التي لها مصلحة في عملية التغيير الجذري.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 995