العمل النقابي والطبقة العاملة /2/

العمل النقابي والطبقة العاملة /2/

في أي مكان في العالم يوجد فيه الرأسمال فهو يضع العاملين بأجر في ظروف وشروط لا تأخذ بعين الاعتبار إلا زيادة الأرباح والأرباح فقط، وبأقصى ما يمكن من السرعة. وبالتالي تقع على العاملين بأجر، أعباء الفقر وحوادث وإصابات العمل وأمراضه المهنية وغياب قواعد الصحة السلامة المهنية واستخدام معدات خطرة وعدم توفر معدات السلامة والصحة المهنية، فالعامل مضطر للمخاطرة بحياته من أجل مستقبل أسرته، فيذهب إلى جحيم العمل خوفاً من خطر الموت جوعاً عسى أن يحصل على ما يُبقيه على هذه البسيطة، لأنه مجرد من كل ملكية ولا حل أمامه غير بيع قوة عمله لطبقة رأس المال.

مواجهةِ الاستغلال الرأسمالي

تعتبر الحركة النقابية أحد أشكال تنظيم النضال للطبقة العاملة ضد أرباب الاستغلال وسلطتهم السياسية، وقد ظهرت النقابات من خلال تجربة العمال في صعوبة مواجهةِ الاستغلال الرأسمالي منفردين غير منظمين، وهو المنظم والمتحد دائماً، ولم يختلف تاريخ الحركة النقابية في سورية كثيراً عن غيرها من الحركات النقابية في كل الدول كما ذكرنا في الأعداد السابقة، وأمام نهوض وتطور تنظيمات العمال النقابية وتنامي الوعي الطبقي لديها لم تكن طبقة الاستغلال واقفة مكتوفة الأيدي، بل قامت وما زالت تعمل على حصر النضال النقابي العمالي في حدود لا تؤثر على حدود مِلْكِيّتها الخاصة لوسائل الإنتاج، أو تهدد سلطتها السياسية. ولهذا قامت بمحاولات عديدة للسيطرة على الحركة النقابية من خلال ترسيخ بعض المفاهيم والأساليب التي تكبح جماح الحركة النقابية وتضعف وعي الطبقة العاملة، ومن هذه المفاهيم والطرق التعاون الطبقي، الحفاظ على السلم الاجتماعي، نحن والحكومة فريق عمل واحد أو شركاء، قمة الكفاح المذكرات والكتب، تحت ذريعة العمل المؤسساتي للنقابات، القوائم المغلقة في الانتخابات النقابية عند استحقاقها، التحاصص الحزبي والمناطقي، العبث بتاريخ الحركة النقابية وإغفال الطرق النضالية وأدواتها الكفاحية وأسلحتها الضرورية التي استخدمتها ويمكن أن تستخدمها لصلاحيتها في كل زمان، وهذا ما أدى إلى عدم وجود برنامج واضح المعالم.

اقتصاد السوق الليبرالي

إن الحركة النقابية التي تعمل من خلال التوجه إلى طبقة الرأسمال بالنصيحة، والاستعطاف من أجل مراعاة مصالح وحقوق العمال هي ليست حركة نقابية بل مجرد صورة نقابية. إن النقابات ليست منظمات لتحسين أوضاع العمال والتخفيف من معاناتهم من خلال تحسين ظروف شروط الاستغلال فحسب، بل هي جزء لا يتجزأ من أدوات وأشكال النضال والكفاح لتحريرهم من عبودية العمل المأجور. فمهما تحسنت أوضاع العمال في ظل اقتصاد السوق الليبرالي، فإنه سرعان ما يتم الإجهاز على ما انتزعه العمال، فهذه طبيعة هذا الاقتصاد، إن تحرر وتحرك العمال من أجل حقوقهم يصطدم بجهاز الدولة الذي هو أداة بيد طبقة الرأسمال التي تعمل على إخضاع العمال والمضطهدين عامة، ففي أبسط نزاع أو خلاف بين العمال ورب العمل يمكن أن يحصل تتدخل أجهزة الدولة إلى جانب أصاحب العمل.
وقصارى القول: وضع الطبقة العاملة اليوم على كف عفريت. فالكوارث التي تسببها ظروف العمل من معيشية وغيرها لا تعود إلى العمل في حد ذاته ولا إلى العمال، بل إلى العلاقات الاقتصادية الاجتماعية القائمة على تمركز الاحتكار لرأس المال. وتلك السياسات الاقتصادية التي تسير وفقها الحكومات التي تسعى إلى إنهاك الصناعة وكل ما يتعلق بالإنتاج، وتحويل البلاد إلى ساحة مضاربات مالية لا تمت بصلة إلى الإنتاج بكل أشكاله الصناعي والزراعي، وكل هذا يجعل من نضال العمال والحركة النقابية نضالا سياسياً. وإذا لم تمارس الحركة النقابية سياستها الطبقية المنحازة إلى الطبقة العاملة التي تمثلها بوعي فإنها سوف تمارس سياسة أعداء الطبقة العاملة والحركة النقابية دون وعي.

العمل النقابي والطبقة العاملة /1/

معلومات إضافية

العدد رقم:
968
آخر تعديل على الجمعة, 16 نيسان/أبريل 2021 15:10