تعنت حكومي بوجه العمال

تعنت حكومي بوجه العمال

لماذا أصدرت الحكومة مشروع قانون جديد للعمل اليوم قبل أشهر قليلة على الانتخابات النقابية، رغم أن القانون كان يجب أن يعدَّل منذ عام 2012 (ليأتي متوافقاً مع الدستور الجديد)، هل تريد الحكومة ترسيخ حالة الاستغلال التي عاشها العمال خلال تطبيق القانون رقم 17 وتعمقت أكثر مع الأزمة؟

ندوات ولكن؟

رغم تنظيم الاتحاد العام لنقابات العمال لعدة مؤتمرات وندوات وورش لمناقشة قانون العمل رقم 17 وسلبياته، والتي دفعت نفقاتها من جيوب العمال وشارك فيها من وضع القانون رقم 17 أنفسهم، وأبدوا ملاحظات كثيرة على القانون، وأصبحوا يطالبون اليوم بتعديله (بعد خروجهم من دائرة القرار). تأتي الحكومة اليوم لتضرب بعرض الحائط هذه النقاشات، وتطرح لنا «قانوناً مسخاً» أكثر من الأول، وهل سيصل الحال بالعمال أن يطالبوا بالتمسك بالقانون رقم 17 رغم مآسيه (على قولة ما بتعرف خيره لتجرب غيرُه)؟!

هل التعديلات سرية

لماذا التكتم على التعديلات التي ستطال قانون العمل؟ ولماذا لم تنشر في وسائل الإعلام كاملة ويتم اطلاع العمال عليها؟ وخاصة أن القانون يهمّهم وينظم حياتهم في أدق تفاصيلها، ألا تستشير الحكومة غرفة التجارة في أي قانون يخصها وتأخذ ملاحظاتها بعين الاعتبار، فلماذا لا تتصرف بالأسلوب نفسه مع الطبقة العاملة؟ الجواب واضح: فالواقع يقول أن القانون المراد، لن يرضى عنه العمال، فهو سيهضم المزيد من حقوقهم...
تكتفي الحكومة بالتأكيد على أن مشروع تعديل القانون على أنه «قانون عصري ويواكب التطورات» فالحكومة تقصد بأنه قانون عصري، أي: أنه يناسب أرباب العمل ويضر بالعملية الإنتاجية، أما عن أنه يتوافق والاتفاقيات الدولية فهي تقصد بكل تأكيد اتفاقيات صندوق النقد الدولي.

مشروع قانون يواكب طموح العمال

مشروع قانون يواكب التطورات، فنحن مع هذه المقولة تماماً ويجب أن يكون لدى الحكومة تصوّر عن (التطورات!) الهائلة التي وصلت إليها الطبقة العاملة نتيجة لسياساتها الاقتصادية الليبرالية التي أنتجت القانون العمل رقم 17 والتي أفقرت 85% من السوريين، وبالتالي معالجة هذه التطورات، والتراجع عن هذه السياسات ووضع قانون عمل جديد يختلف جذرّياً عن القانون الحالي ويتوافق مع مواد دستور عام 2012، التي تقول بأن الحد الأدنى للأجر يجب أن يغطي تكاليف المعيشة! 

من المعلوم بأن اللاعدالة في المجال الاجتماعي في أية دولة تشكل خطراً، لأنها تؤدي إلى ثورات وحروب ونزاعات داخلية، وتعتبر قوانين العمل من أهم قوانين السلام الاجتماعي لأنها تنظم حياة ومعيشة غالبية الشعب، فإذا كانت مثل هذه القوانين لا تحظى بتأييد الغالبية ولا يمكنهم حتى مناقشتها وتزيد من نهبهم، فإن هذا سيؤسس لانفجار داخلي جديد وأزمة جديدة، وخاصة أنه لم يعد مقبولاً اليوم بأن يتم فرض القوانين فرضاً من الأعلى على الطبقة العاملة.
طبعاً حكومة تسير بسياسات اقتصادية محابية لأرباب العمل، وتُفّقر غالبية الشعب وتُدمّر الإنتاج لن تضع قانوناً يؤمن العدالة الاجتماعية ويحقق نمواً اقتصادياً للشعب، فهذا شبه مستحيل، إن لم يكن مستحيلاً ولكن نطالبها فقط أن تطبق الدستور الذي جرى الاستفتاء عليه هذا أقل الإيمان، أما إذا كانت ستتجاهل الدستور كعادتها وهي ستتجاهله بكل تأكيد، فما على العمال سوى أن يطبقوا هم الدستور ويتسلحوا بأسلحته التي شرعها لهم، وأهمها: حق الإضراب والتظاهر السلمي لإجبار الحكومة على تطبيق الدستور والتوقف عن خرقه من خلال تعنتها وتمسكها بسياساتها الاقتصادية التي تؤمن مصالح حلفائها في قوى المال والفساد، والتي أوصلت البلاد إلى ماهي عليه اليوم من دمار وخراب وجوع وبطالة وفساد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
906
آخر تعديل على الأربعاء, 27 آذار/مارس 2019 16:09