موازين القوى تتغير.. هل تتغير النقابات معها؟
يكتسب تعزيز العلاقات بين النقابات على المستوى الإقليمي والدولي أهميته كون الموقف المفترض الجامع بينهم هو مواجهة القوى المستغلة لقوة عمل الطبقة العاملة، وبالتالي يدفع هذا لتوحيد الجهود المشتركة، ويساهم في اكتساب الخبرات النضالية المتكونة بفعل الدور الكفاحي الذي تقوم به النقابات، في المواقع المختلفة لمواجهة العدو الطبقي، وهذا أمر ضروري لتعزيز وتطوير أشكال النضال المشترك باعتبار العدو أيضاً يطور أشكال استغلاله وآليات نهبه، آخذاً بالاعتبار موازين القوى بينه وبين الطبقة العاملة وممثليها.
والدروس التي يمكن الإفادة منها على هذا الصعيد كثيرة، سواء في منطقتنا أو على الصعيد العالمي، حيث مرّ النضال النقابي بمراحل مختلفة كان يتصاعد تارةً وينخفض تارةً أخرى، وذلك تبعاً لعوامل كثيرة لسنا بصدد تعدادها، ولكن أهمها، هو: التغير في موازين القوى وجذرية القوى المدافعة عن حقوق ومكاسب الطبقة العاملة، وفي مقدمتها الحقوق الاقتصادية والسياسية والديمقراطية، التي يسعى العدو الطبقي- كلما أتيحت له الفرصة- للانتقاص منها أو ضربها سواء بالترغيب أو بالترهيب.
في اللقاءات التي تجري بين النقابيين سواء في منطقتنا العربية أو على الصعيد العالمي تجري نقاشات هامة حول أشكال المجابهة مع الأعداء الطبقيين، وتقر الكثير من التوصيات، ولكن تذهب جميعها أدراج الرياح بعد عودة الوفود إلى بلدانها، والسبب الجوهري في هذا أن معظم الحركات النقابية وخاصةً في منطقتنا قراراتها مرهونة لحكوماتها، وحكوماتها هي من تتبنى السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي في جوهرها معادية لمصالح وحقوق الطبقة العاملة، وهذا تناقض كبير تقع به الحركات النقابية ويجعلها غير قادرة على اتخاذ القرارات الضرورية التي تمكن الطبقة العاملة من انتزاع حقوقها الاقتصادية والسياسية والديمقراطية.
السياسات الاقتصادية الليبرالية، التي فرضتها الإمبريالية على الشعوب، وخاصةً الفقيرة منها، لعبت دوراً أساسياً في تفاقم الظواهر المختلفة من فقر وبطالة وتهميش، وهذا يفرض على النقابات والطبقة العاملة خوض النضالات المتعددة الأوجه لإسقاط تلك السياسات الظالمة، باعتبارها المصدر الأساس لتوالد الإرهاب والفاشية بأشكالها وألوانها كلها، حيث لا تعني مواجهة الإرهاب الجانب العسكري فقط، وإن كان ضرورياً، ولكن اقتلاع الجذور المولدة له هو الضامن لعدم استنباته من جديد، ومن هنا تأتي أهمية تشكيل جبهة عمالية ونقابية واسعة لمواجهة السياسات الليبرالية المتوحشة، التي أصابت المصالح العميقة للشعوب قاطبة، ومنها: شعوب المراكز الرأسمالية، كما هو حال اليونان ودول آخرى شبية بها، حيث تخوض النقابات والعمال صراعاُ مع القوى الإمبريالية المتحكمة باقتصاديات هذه الدول، من أجل رفض إملاءاتها وشروطها ونهبها من خلال الديون المفروضة عليها.
يمكن القول: إن انفتاح الأفق أمام الشعوب من أجل أن تستعيد دورها في الدفاع عن مصالحها، يعني: أن موازين القوى الدولية أخذت في التغير وهذا يسمح للطبقة العاملة بتنظيم قواها وابتداع أشكال متنوعة من المقاومة في مواجهة الاستغلال المتوحش، الذي فرضه رأس المال المالي عليها وانتزع منها معظم ما حققته الطبقة العاملة في مراحل سابقة كان فيها ميزان القوى الدولي يفرض على القوى الرأسمالية تقديم تنازلات لصالح الطبقة العاملة في سياق صراعها مع المعسكر الاشتراكي.
إن الأزمة الوطنية العميقة في سورية وفي المناطق الشبيهة بها، كان أحد مسببات تفجرها واستمرارها هو: السياسات الاقتصادية الليبرالية التي ساهمت في تعزيز وتعميق الظواهر الاجتماعية والاقتصادية (فقر وبطالة وتهميش وفساد كبير» تتطلب من الحركات النقابية والطبقة العاملة موقفاً حازماً تجاهها من أجل وضع قطار المواجهة مع الإمبريالية بسياساتها المتوحشة بإطاره العام على سكته الصحيحة، وببعده الاقتصادي الاجتماعي، حتى لا تصبح مجرد شعارات.