العمال آخر من يعلم

العمال آخر من يعلم

أعلن في اجتماع النقابات مع الحكومة أن تعديل قانونَيْ العمل رقم 50 لعام 2004 و17 لعام 2010 أصبح جاهزاً ورفعت هذه التعديلات إلى رئاسة مجلس الوزراء لتقرها ولكن دون الإعلان عن فحوى هذه التعديلات.

افت في الموضوع، أن هذه التعديلات والتي لم يفصح عنها حتى الآن لم تطرح للنقاش العام لمناقشتها من قبل الحقوقيين والاقتصاديين والنقابيين، وأحزاب تهمها مصلحة الطبقة العاملة، والأهم من ذلك: لم يجرِ مناقشة هذه التعديلات أو طرحها على العمال أنفسهم باعتبارهم أصحاب المصلحة الحقيقيين، مع أن قوانين العمل تخصهم من حيث إنها تحدد واجباتهم وحقوقهم وتمس حياتهم اليومية بأدق تفاصيلها (أجور، وإجازات، وتحديد ساعات العمل)، ومن المعروف أن قوانين العمل هي التي تؤمن السلام الاجتماعي عبر إنشاء علاقات عمل متوازنة تؤمن حقوق الغالبية من الشعب، لذلك من غير المعقول ربط إصدارها بجهة واحدة من دون طرحها للنقاش العام.
ولا يخفى على أحد كيف كانت قوانين العمل المعمول بها حالياً، والتي أُقِرت بالطريقة نفسها حيث تسببت في هضم حقوق العمال، وباتت معطلة لعملية الإنتاج، لأنها وضعت من دون الأخذ برأي العمال، وجاءت في مصلحة أرباب العمل، وقد كتبت مئات المقالات واقترحت آلاف الاقتراحات لتعديل قوانين العمل بسبب الثغرات الكثيرة التي رافقت تطبيقه، ولكن دون جدوى، واليوم الفرصة مهيأة للنقابات كي تطلع وتشارك العمال أنفسهم بوضع القوانين التي تنظم معيشتهم بحيث تصدر بموافقة أصحاب المصلحة، لا أن تصدر بغيابهم وعبر جهات عليا منحازة لأرباب العمل، وبهذه الطريقة تخلق النقابات جواً من الثقة بينها وبين العمال باعتبارها جهة تمثلهم وتدافع عن حقوقهم.
ومن غير المعقول أن تكون منظمات أرباب العمل المختلفة على إطلاع على هذه التعديلات بسبب نفوذها وانحياز الحكومة لها، وأن يكون العمال المستهدفون في هذه القوانين آخرَ من يعلم.
الدستور وحقوق الطبقة العاملة
السرية المحيطة بالقوانين تضع العديد من إشارات الاستفهام على طبيعة هذه التعديلات، ولكن وبالرغم من السرية المحيطة بهذه التعديلات، لا بد من الإشارة إلى ضرورة أن تكون هذه التعديلات قد أخذت بعين الاعتبار حقوق الطبقة العاملة التي نص عليها الدستور الجديد الصادر عام 2012 وضرورة تعديل قوانين العمل بما يتوافق معه، ومع الاتفاقيات منظمة العمل الدولية التي وقعت وصادقت عليها سورية، وإلّا فإننا سنقع في فخ عدم دستورية القوانين، وخاصة أن قوانين العمل الحالية باتت متعارضة مع الدستور الحالي، وأخذت حال الطبقة العاملة التي وصلت إلى حافة الجوع نتيجة السياسات الليبرالية للحكومات السورية المتعاقبة، والتي أنتجت قوانين عمل صبت في مصلحة قوى رأسمال، وأسست لمآساة للطبقة العاملة، وعطلت الإنتاج بحجة دعم الاستثمار وتشجيع المستثمرين.
ليس من المتوقع من الحكومة الحالية والتي مازالت تسير على نهج سابقاتها في اتباع الليبرالية الاقتصادية، وتطبيق توصيات البنك الدولي، وتستبعد تطبيق الدستور، أن تصيغ تعديلات تكون في مصلحة العمال، فكل تصرفات الحكومة وقراراتها تأتي لمصلحة أرباب العمل على حساب العمال بما يؤمن لهم زيادة في أرباحهم، وهذه المرة تحت ذريعة إعادة الأعمار، وربما لذلك أحيطت التعديلات على قوانين العمل بهذه السرية، خاصة أن التعديلات التي أعلن عنها خلال السنة الماضية كانت تعديلات شكلية لا تمس جوهر القانون.
النقابات أمام امتحان
إذا صدرت هذه التعديلات في غير مصلحة الطبقة العاملة، فإن أول المتضررين ستكون النقابات التي ستفقد أية ثقة لها بين العمال، لأنها هي المسؤولة عنهم، وهي من المفترض شريكة الحكومة في إقرار هذه القوانين، مما سيجعلها اختبار حقيقي أمام العمال، وخصوصاً أن العمال باتت لديهم قناعة، ومن خلال التجربة، أن تحصيل حقوقهم لن يأتي عبر شعار نحن والحكومة شركاء، فالدستور أعطاهم الحق في ممارسة الأساليب النضالية والسلمية كافة للدفاع عن مصالحهم ومنها الإضراب.