قروض- يا عاوز
اللجوء للاقتراض من أجل تغطية النفقات العادية الشهرية، هو الاستثناء على الاستثناء، فاللجوء للاقتراض هو حالة استثنائية بطبيعته، وعادة يكون لتغطية النفقات غير العادية (تمويل المشاريع- السكن- السلع المعمرة- سيارة- وربما مرض- أو غيرها مما تفرضه الظروف اضطراراً في بعض الأحيان).
فالإنفاق على الاحتياجات والسلع الاستهلاكية العادية اليومية، وكتلة الإنفاق الشهري الاعتيادي، تتم تغطيتها من الأجر الشهري الذي من المفترض أنه يكفي لسد قيمة هذه الاحتياجات.
امتياز العجز
فُتح، رسمياً وبتوجيه حكومي، باب التقسيط للعاملين في الدولة لتأمين بعض المستلزمات المدرسية (ألبسة- دفاتر- قرطاسية) من خلال السورية للتجارة، بسقف 50 ألف ليرة، على أن تسدد بموجب أقساط شهرية قيمة كل منها 5 آلاف ليرة، لمدة 10 أشهر، على أنه نوع من تقدير الظروف والمساعدة.
التقسيط الذي حصل عليه العاملون في الدولة دون سواهم من أصحاب الدخل المحدود والمهدود، اعتبر بمثابة الامتياز لهؤلاء، خاصة وأن التقسيط سيكون بلا فوائد، مع الكثير من حملات البهرجة المرافقة لهذا «الإنجاز» الحكومي الذي أخذ بعين الاعتبار واقع أصحاب الأجور من العاملين في الدولة، العاجزين عن تأمين مستلزمات أبنائهم المدرسية اعتماداً على أجرهم الشهري.
الحكومة مدركة تماماً أن تأمين الحاجات الأساسية أصبح بحاجة إلى هذا الشكل من الإقراض بلا مواربة وبكل وضوح، فواقع الدخل الشهري يقول إنه عاجز عن تأمين ضرورات الحياة، وقد خرجت العديد من السلع العادية من حيز الاستهلاك اليومي أو الشهري، لذلك أصبحت الضرورة تقتضي أن يتم اللجوء للاقتراض من أجل تأمين بعض الاحتياجات الاعتيادية الضرورية، بل وكأن الأمر سيصبح من الأشكال المتعارف عليها كنهج رسمي متبع، حيث سبق أن تم الإعلان عن سلال غذائية بالتقسيط خلال شهر رمضان الماضي، ولا ندري ما تخفيه لنا الأيام القادمة، في ظل الاستمرار بنفس سياسات الإفقار المتبعة حكومياً.
سياسات الإفقار
في المقابل، فإن هذا يعني: أن الإقراض من أجل تأمين تغطية الإنفاق غير الاعتيادي على السكن أو السلع المعمرة أو غيرها أصبح عملياً من المستحيلات بالنسبة للعاملين بأجر، ليس بسبب ارتفاع أسعارها فقط، بل لهزالة الأجور وعدم إمكانية الاعتراف بها كملاءةٍ ضامنة لتسديد قيمتها تقسيطاً، ما يعني عملياً: عدم تمكّن العاملين بأجر من أن يؤمنوا احتياجاتهم ومتطلباتهم من السلع المعمرة حكماً، وهم بالكاد يستطيعوا تغطية بعض تكاليف معيشتهم الاضطرارية، وهو أمر تدركه الحكومة، وعلى ما يبدو أنها غير مكترثة بشأنه!
فالحكومات المتعاقبة هي نفسها من عملت على تجميد الأجور، وكرستها كسياسة متبعة من قبلها منذ عقود، ما يعني: تآكلها من الناحية العملية توازياً مع توالي ارتفاعات الأسعار للسلع والخدمات، كما أن السياسات الحكومية هي نفسها من تُشرعن تكبير حصة الأرباح على حساب حصة الأجور، وصولاً إلى آلت إليه حال الغالبية من الشعب من فقر وعوز.
وربما لا عجب بعد كل ذلك أن يصل أصحاب الأجور إلى تقسيط قيمة وجبتهم الغذائية اليومية، عبر امتياز حكومي، مع الكثير من المزاودة وعبارات الحمد على نعمها عليهم!