اللجنة الدستورية والطبقة العاملة

اللجنة الدستورية والطبقة العاملة

من المفترض أن تبدأ القوى السياسية المشاركة بمؤتمر سوتشي والتي لم تشارك، إرسال أسماء وفودها من أجل تشكيل اللجنة الدستورية لإعداد دستور سوري جديد يدشن مرحلة الحل السياسي للأزمة السورية.

غياب مطالب العمال
غالبية القوى السياسية أعدت خطوطاً عريضةً للدستور السوري الجديد والملفت أن أغلب هذه القوى لم تشر إلى هوية الاقتصاد السوري، ولم تحمل مسوداتها مطالب الطبقة العاملة، بل جل ما قدم حتى الآن يتعلق بالجانب الديمقراطي فقط، دون الإشارة إلى السياسات الاقتصادية التي تسببت في انفجار الأزمة، والتي إذا ما استمر تبنيها فإنها ستؤسس لأزمات جديدة ستكون أشد وطأة من الأزمة الحالية، الحكومة السورية تقدم دستور عام 2012 كمادة أولية للنقاش ورغم نص الدستور عام 2012 على بعض الحقوق للطبقة العاملة إلا أن هذه الحقوق ظلت حبراً على ورق وعطلتها عقلية المادة الثامنة القديمة التي ما تزال سارية المفعول رغم إلغائها في دستور عام 2012 والحكومة مستمرة في تطبيق السياسات الاقتصادية المطبقة نفسها قبل الأزمة (ولكن هذه المرة بحجة إعادة الإعمار) فرفعت من مستوى الفساد وفرطت بالقطاع العام ورفعت مستوى البطالة، وزادت من إفقار الشعب، وتدني مستوى معيشته، وأوصلت الطبقة العاملة إلى حافة المجاعة، وأضرت بقوة العمل وعطلت الإنتاج، وكل هذا بشكل يتعارض مع الدستور الذي وضعته هي.
العدالة الاجتماعية
ضرورة وطنية
الطبقة العاملة أكثر من دفع ثمن تطبيق الليبرالية الاقتصادية ووصفات صندوق البنك الدولي قبل الأزمة، وكانت أكثر من عانت خلال الأزمة، وستتحمل آثارها لسنين قادمة بسبب التهجير والدمار الكبير، لذلك لابد من أن يأخذ الدستور الجديد مطالبهم بعين الاعتبار وتوجد الضمانات الكافية للعمال في الدفاع عن مطالبهم وحقوقهم الاقتصادية والسياسية والديمقراطية بحيث أن يضمن الدستور الجديد بناء اقتصاد وطني قائم على العدالة الاجتماعية ويؤمن مستوى حياة كريمة للطبقة العاملة عبر ربط الأجور بمستوى الأسعار، وحماية قوة العمل ومكافحة البطالة، وكل هذا في سبيل عدم التأسيس لأزمات جديدة، ولنا اليوم في احتجاجات الإقليم أكبر مثال على ذلك.
كما لا بد أن ينص الدستور على ضرورة المحافظة على القطاع العام وعدم التفريط به بوصفه صمام الأمان للفقراء، لما يقدمه من خدمات اجتماعية، مثل: التعليم والصحة، والتأكيد على أن يدار القطاع العام من قبل الدولة لصالح مجموع الشعب وليس من أجل تسيير مصالح فئة قليلة.
النقابات والدستور
يجب أن يضمن الدستور وبنصوص صريحة وواضحة لا لبس فيها، استقلالية النقابات، وفك ارتباطها بجهاز الدولة، وعدم السيطرة عليها من أية جهة كانت، ولنا في تجربة المادة الثامنة القديمة مثال واضح على إجهاض أي دور حقيقي للنقابات في الدفاع عن حقوق عمالها وتسييرها وفقاً لرؤية الحكومة ومصالح أرباب العمل، عبر تبني شعار: نحن والحكومة شركاء. كما لا بد أن ينص الدستور وبافتراض أنه سيلتزم بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي وقعت وصادقت عليها سورية وأن يضمن تطبيق اتفاقيات منظمة العمل الدولية أيضاً، وخاصة تلك التي تتعلق بحق الإضراب للطبقة العاملة وحرية العمال في تنظيم أنفسهم إضافة إلى مراعاة هذه الاتفاقيات في قوانين العمل التي من المفترض أنها ستعدل بما يتوافق والدستور الجديد.
نجاح الطبقة العاملة والقوى الوطنية التي تمثلها في فرض مطالبهم في الدستور الجديد لا يكفي، بل لا بد أن تترافق هذه النصوص مع تأمين الأدوات اللازمة لتمكين الطبقة العاملة ونقاباتها من ممارسة نضالها الطبقي في جو حقيقي من الديمقراطية لترجمة هذه النصوص على أرض الواقع، وكي لا تبقى هذه النصوص مجرد حبرٍ على ورق، فحتى لو نص الدستور الجديد على مطالب الطبقة العاملة فهذا لا يعني أن العمال نالوا حقوقهم بل لابد من نضال طبقي طويل لتغيير موازين القوى في المجتمع وهذه الموازين وحدها هي التي ستضمن تطبيق نصوص الدستور ومنع قوى رأسمال من تمييع هذه المطالب وتسويفها كما حصل في الدستور الحالي.