قروضهم ليست لنا؟
غزل الماغوط غزل الماغوط

قروضهم ليست لنا؟

منذ عام 2012 أصدرت الحكومة قراراً بوقف عمليات الإقراض في جميع المصارف العامة (العقاري والتجاري والصناعي والزراعي والتسليف الشعبي والبريد) لكن الحصول على القروض بات متاحاً مجدداً مع إصدار اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء قراراً باستئناف منح القروض بجميع أنواعها، وتزامن ذلك مع إعلان العديد من المصارف العامة وفي طليعتها المصرف التجاري أن نسب سيولة المصرف عالية جداً، أكثر من أي وقت مضى، وأنها كافية لتأمين كل متطلبات المواطنين واحتياجاتهم في شراء الدولار.

قروض السكن
تتراوح قروض شراء المنازل الجاهزة للسكن والتي يمنحها المصرف العقاري ما بين مليون إلى 5 ملايين ليرة سورية، لكن أي مواطن سوري يعلم أنه يستحيل شراء منزل جاهز بأقل من ضعفي أو ثلاثة أضعاف هذا المبلغ، أما عن متوسط الدخل الشهري الذي تتطلبه مثل هذه القروض فتلك حكاية أخرى..
فالحصول على قرض الشراء الجاهز البالغ سقفه خمسة ملايين ليرة سورية، يتطلب أن يتقاضى المقترض دخلاً لا يقل عن 261 ألف ليرة سورية، وفي حال كان القرض لمدة 5 سنوات فإن معدل الفائدة يبلغ 10,5% أي ما يعادل 1.4 آلاف ليرة، ليكون مقدار القسط الشهري 107 آلاف ليرة فقط لا غير..! أما الخيارات الأخرى للقرض ذاته فهي عن عشر سنوات بفائدة 11% لمن لا يقل دخله الشهري عن 172 ألف ليرة أو عن 15 سنة بفائدة 11,5%، لمن لا يقل دخله عن 146 ألف ليرة شهرياً.
لمن القروض؟
من البدهي أن يتساءل كل من تصله هذه الأرقام.. من هو المواطن الذي يبلغ دخله الشهري نحو 150 ألف، ويقدر على أن يسدد شهرياً قسطاً يقارب 60 ألف ليرة على أقل تقدير، ومن ناحية أخرى أليس من يقدر على دفعه شهرياً هو بشكل أو بآخر مرتاحٌ مادياً ولا ينطبق عليه تصنيف فئة «الدخل المحدود»؟
وماذا عن الملايين المتبقية والتي تعيش على الأجور التي يمنحها القطاع العام والبالغة نحو 30 ألف ليرة وسطياً، تلك الملايين التي تجد في انتظارها كل يوم أفواهاً جائعة ومصاريف لا تنتهي من صحة وتعليم وإيجار وضرائب ومواصلات.. إلخ، هل حكم ببساطة على كل هؤلاء بالبقاء تحت رحمة الإيجارات التي لا ترحم، بعد أن خسروا منازلهم في الحرب؟ هل أبناء الطبقة العاملة مستثنون من حقهم في الحصول على سكن؟
أما الترميم..
يعطى قرض الترميم لإعادة الإكساء ويبلغ سقفه مليوني ليرة بفائدة 10,5% لخمس سنوات، أو 11% لـ 10 سنوات أو 11,5% لمدة 15 سنة، وهي قروض تتراوح أقساطها الشهرية ما بين 23 ألف ليرة إلى 42 ألف ليرة تقريباً وهي أيضاً أرقام ليست ضمن متناول معظم العاملين في قطاع الدولة، إذا أخذنا بالحسبان أن متوسط دخل العامل السوري لا يغطي أكثر من 10% من احتياجاته.
قروض صناعية وحرفية
أما القروض التي يمنحها المصرف الصناعي فهي أيضاً حكر على أصحاب الأموال، ولا يمكن أن يحظى بها صغار الكسبة أو أصحاب الورش الصغيرة، إذ تكشف التعليمات التنفيذية عن استعداد المصرف الصناعي لتمويل رأس المال الثابت بنسبة 50 - 60% من التكاليف الاستثمارية للمشروع المراد تمويله، وبضمانة عقارية من ضمنها عقار المنشأة في حال كان ملكاً للمتعامل وثابت الملكية، على ألا تقل قيمتها التخمينية عن 150% من قيمة القرض، كما يتيح الصناعي قروضاً للمنشآت المتضررة ولشراء الآلات وتسهيلات لدعم رأس المال الخاص بالمنشأة، لكن كل هذه التفاصيل تتطلب بالحد الأدنى توافر قدر كبير من السيولة لا يملكه سوى الصناعيين الكبار.
باختصار.. تعجيز
يعاب على جميع هذه القروض أنها غير مشجعة وعاجزة في ظل المتوسط الحالي للدخل على الإيفاء بحاجات المقترضين، كما أنها تتطلب معدلات فائدة مرتفعة لا تنسجم مع الواقع المعيشي الذي آلت إليه أحوال السوريين بسبب سنوات الحرب، وضرورة وجود وديعة كشرط لمنح القروض السكنية، إلى جانب ضمانات معقدة مثل: اثنين من الكفلاء العاملين في القطاع العام، أو ضمانة عقارية ضخمة في حال القرض الإنتاجي..
إن كل هذه الشروط والتفاصيل وجدت لتقول للمواطن العادي: أن حلمه باستعاده ممتلكاته والرجوع إلى حالته «شبه المستورة» ما قبل الحرب ما يزال أمراً بعيد المنال في ظل السياسات الاقتصادية الحالية، التي فصلتها الحكومة على قياس أصحاب الأموال دون الاكتراث لحال العمال.