بصراحة: القطاع الصناعي في دوامة الخطط
قطاع الدولة الصناعي أكثر القطاعات الاقتصادية التي أثارت ومازالت تثير جدلاً واسعاً في الأوساط النقابية والاقتصادية، وهذا طبيعي، كون هذا القطاع الهام هو الدريئة التي جرى تصويب النيران الغزيرة عليها من جانب قوى السوق قبل الأزمة وأثناءها، وذلك عبر إجراءات جدية تجري بتسارع سواء عبر التشريعات والقوانين، أو عبر إجراءات على الأرض بالرغم من كل العويل الذي يطلق بأن إدارة عجلة الإنتاج لها الأولوية.
إن المشاريع (الإصلاحية) المطروحة الآن ليست بريئة في مضمونها وتوجهاتها، بل هي كسابقاتها من المشاريع التي طرحت في عهود سابقة للحكومات السابقة، ولا تدفع نحو تطوير القطاع الصناعي إلى الأمام، بل توضع كل المبررات التي تجعل منه قطاعاً ضعيفاً لا حول ولا قوة له، ليسهل بعدها إطلاق رصاصة الرحمة على ما تبقى منه.
الخطة التي طرحتها مؤخراً وزارة الصناعة لهيكلة اليد العاملة تأتي في سياق إصلاحٍ من نوع رفع العتب، لأن الخطة المطروحة لم ترَ في الخلل الواقع في القطاع الصناعي سوى العمال الذي يحتاجون إلى إعادة هيكله، وغضت الطرف عن قضايا جوهرية كان لابد من أن تكون جزءاً أساسياً من عملية الإصلاح المنشودة، وهي: إعادة هيكلة الخطوط الإنتاجية وتطويرها بما يرفع سوية الإنتاج، ويجعل إمكانية تسويقه ممكنةً، وهذا سينعكس على الأجور والحوافز الإنتاجية التي تسعى الوزارة إلى تخفيضها عبر إجراءات لن تغير من واقع الحال، كما تراها الوزارة من خلال رؤيتها التي طرحتها من أجل تخفيض كتلة الأجور البالغة أكثر قليلاً من 25 مليار ليرة سورية سنوياً، والتي تكون فيها أجور العمال الشهرية 50 ألف ليرة لكل عامل، وهذا الحساب يخالف معظم الدراسات الاقتصادية التي تعتبر أن وسطي الأجور 35 ألف ليرة سورية.
إن واقع قطاع الدولة الصناعي الآن ليس بحالة سوء مطلق، بالرغم من كل ما تعرض له من نهب وإهمال، وضمن إمكاناته المتاحة، فإن إمكانية تطويره ليلعب الدور القائد للاقتصاد الوطني ممكنة، إذا ما توفرت الإرادة السياسية ليلعب هذا الدور.
الحركة النقابية في خضم الجدل الدائر الآن حول المشاريع (الإصلاحية) تتحمل جزءاً مهماً من المسؤولية في الدفاع عن قطاع الدولة دفاعاً حقيقياً، عبر مواجهة تلك المشاريع وطرح بدائل حقيقية للإصلاح، تعبر عن المصالح الوطنية الحقيقية للطبقة العاملة، التي من مصلحتها الحفاظ على القطاع العام الصناعي قطاعاً رائداً ومتطوراً، وهذا ممكن عبر إعادة تأميم القطاع العام الصناعي من ناهبيه، وضخ الاستثمارات الضرورية له، لكي يستعيد عافيته ثانية، وانتزاع إمكانية الرقابة الحقيقية على شركاته من خلال الرقابة العمالية والنقابية على أداء هذا القطاع.