عن عمالة الأطفال في الداخل السوري
غزل الماغوط غزل الماغوط

عن عمالة الأطفال في الداخل السوري

منذ بداية الحرب تضاعفت أعداد الأطفال المنخرطين في سوق العمل السوري بسب تراجع الوضع المعيشي، وتنامي عدد الواقعين تحت خط الفقر، وتزامن ذلك مع قصور التشريع السوري في وضع ضوابط تحمي هؤلاء الأطفال من استغلال رب العمل، إلى جانب غياب أية دراسات محلية جادة توثق هذه الظاهرة.

 

بلا أرقام
سائر الأرقام التي نستند إليها اليوم عند التطرق إلى عمالة الأطفال السوريين تخص المنظمات الدولية، كمنظمة العمل واليونسيف وغيرها، في حين لا أرقام لدينا من الداخل السوري، رغم أنه لا تنقصنا الوزارات المعنية ولا النقابات، لكن التعامل مع هذه القضية لا يكاد يلقى أدنى اهتمام، وهو ما لحظناه في المؤتمر المنعقد بهذا الخصوص منذ أيام، إذ استند بالكامل إلى إحصاءات ودراسات أجرتها المنظمات الدولية عن سوق العمل لدينا.
وحسب تقارير الأمم المتحدة الأكثر تداولاً، فإن نسبة الأطفال السوريين العاملين تقدر بـ 20% من إجمالي نسبة العاملين مقارنة بـ 10% قبل الحرب، في حين نفتقر لأية أرقام عن نسبة العاملين من الأطفال إلى عددهم الكلي في الداخل السوري، وتتوافر إحصاءات أكثر وضوحاً فيما يتعلق بعمالة الأطفال السوريين في دول الجوار، لكنها ما تزال غير كافية للإحاطة بالمشكلة وتعوزها الدقة في كثير من الأحيان.
الجانب التشريعي
تشريعياً، لا يجيز التشريع السوري عمالة الأطفال، لكنه يسمح بعمل الأحداث وفق ضوابط محددة، حيث تعرف المادة 113 من القانون 17 الحدث بأنه من أتم مرحلة التعليم الأساسي أو تجاوز سن الخامسة عشرة، في حين أن سوق العمل السورية تغص بمن هم دون هذا السن، إذ يعمل آلاف الأطفال في ورشات النجارة وإصلاح السيارات، مروراً بجمع القمامة والبيع على البسطات والأعمال الزراعية والقائمة تطول.
وتقدم المادة 114 تفاصيل أخرى، حيث تمنع تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات، كما تمنع تكليفه بساعات عمل إضافية، أو بالعمل الليلي، وتمنح المادة 117 الحدث إجازة مأجورة مدتها ثلاثون يوماً.
من المسؤول؟
تعد وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل المسؤول الأول عن مراقبة عمل الأحداث، لكنها لا تمارس الدور المنوط بها في هذا الصدد، إضافة إلى أنها تستند إلى قوانين وتشريعات تحتاج إلى التعديل جملةً وتفصيلاً، وهو ما تحدثت عنه وزارة الصحة في مؤتمر السلامة المهنية منذ أيام، حيث أبدت الصحة تحفظاً على القرار رقم 12 لدى وزارة العمل، والذي يحدد أن طفلاً في الخامسة عشرة من عمره يجب ألا يحمل أكثر من 10 كغ والطفلة 7 كغ، في حين لا يجوز أن يجر على عجلات أكثر من 300 كغ، وهي أرقام غير مقبولة أبداً ويجب أن يعاد النظر فيها كما دعت وزارة الصحة إلى رفع سن العمل لدى الأحداث من الإناث مقارنة بالذكور لخطورته المضاعفة على بنيتها الجسدية.
على الورق
لكن ما لا يخفى على أي مطلع: أن أحداً من أرباب العمل لا يطبق هذه القوانين، وأنها حتى لو طبقت فهي ما تزال قاصرة عن حماية الأطفال من مخاطر سوق العمل، وما يمارس فيه من استغلال بحقهم، فمن الضروري تعديل القوانين جملةً وتفصيلاً بما يتناسب مع ما يجري فعلياً على أرض الواقع، فعمالة الأطفال دون الخامسة عشرة لا تخفى على أحد ونموها المضطرد يهدد جيلاً كاملاً ويهدر حقوقه، ولا ينفع التعامي عن الظاهرة في وضع حد لها.
مشكلة اقتصادية لا ثقافية
إن عمالة الاطفال مرتبطة بالدرجة الأولى بالواقع الاقتصادي، لذلك فإنها تعد ضرورة لا مفر منها، وليست خياراً بالنسبة لكثير من الأسر، وبالتالي فان حل المشكلة يقوم بالدرجة الأولى على تحسين الوضع المعيشي للطبقة العاملة السورية ولعموم الفقراء، وبالطبع فإن الإلقاء باللائمة على الثقافة المجتمعية وتحميل الأسر مسؤولية تشغيل أطفالها ليست سوى محاولة لذر الرماد في العيون، فمن نافلة القول: إن المسألة لا ترتبط بالوعي، وإنما بالسياسات الاقتصادية التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة.