لقاء آخر.. بين الحكومة والعمال
عقد الاتحاد العام لنقابات العمال مجلسه العام الدوري الذي جمع - كما جرت العادة_ بين ممثلي العمال والحكومة، وجرى فيه طرح عشرات المطالب العمالية، وفي مقدمتها: ما يتعلق بتحسين الوضع المعيشي ورفع الأجور، في حين واصلت الحكومة التغني بإنجازاتها، إلى جانب إغراق الطبقة العاملة بالوعود، ويمكن تلخيص أبرز النقاط التي أثارها ممثلو العمال على النحو الآتي:
ثنائية الأجور والغلاء
في كل ملتقى عمالي ينادي ممثلو العمال بضرورة رفع الأجور وزيادة التعويضات الممنوحة للعمال، بما فيها التعويض المعيشي والتعويض العائلي، الذي بات عديم القيمة في الوقت الحالي، مع التأكيد على أهمية اعتبار التعويضات من أصل الراتب، أضف إلى ذلك المطالبة الدائمة والمستمرة بفتح سقف الأجور ليتسنى للعمال الاستفادة من الترفيعات الدورية، ورفع قيمة الحوافز، وأجرة العمل الإضافي، كما قدم ممثلو العمال بعض المطالب التي ترتبط بفئة معينة على وجه الخصوص، مثل: منح تعويض طبيعة العمل لعمال المطابع، ورفع قيمته بالنسبة لعمال الخدمات العامة، ومنح الترفيعة الاستثنائية للعاملين في قطاع الإسمنت.
تعديل القوانين ومكافحة الاحتكار
كما تعالت الأصوات المطالبة بإصدار تعديلات قانون العاملين الأساسي، والتي طال انتظارها منذ سنوات، وكذلك تعديل القانون رقم 17 المتعلق بعمال القطاع الخاص، والمعروف بمحاباته لأرباب العمل على حساب العمال.
ودعا ممثلو العمال إلى تفعيل مؤسسات التجارة الخارجية، ووضع حدٍ لظاهرة الاحتكار التي يمارسها حيتان السوق، وتلقي بظلالها على أسعار السلع الأساسية، مع الإشارة إلى ضرورة تفعيل دور مؤسسات التدخل الإيجابي، وأن تمارس واجباتها في تأمين المنتجات بأسعار تناسب ذوي الدخل المحدود، باعتبارها مؤسسات تنافسية لا ربحية، كما شددوا على أهمية ضبط الأسعار خصوصاً في شهر رمضان الكريم.
دعم الزراعة والصناعة
قدم ممثلو العمال معطيات تشير إلى تراجع القطاع الزراعي بفعل التساهل مع امتداد البناء على حساب المساحات المزروعة، وإهمال الثروة الحيوانية، في حين طالب ممثلو عمال المناطق الشرقية بإعفاء الفلاحين من الفوائد التي تراكمت على المبالغ التي اقترضوها في فترة الأزمة.
وفي مجال الصناعة، طالب العمال بضرورة تقديم التسهيلات الكفيلة بإعادة دوران العملية الإنتاجية في منشآت القطاع الحكومي، مثل: دعم قطاع البناء بالآليات الحديثة، وخصوصاً الثقيلة منها، وإصلاح الصرافات المتعطلة ورفد المصارف كافة بالمعدات الحديثة، إلى جانب معالجة وضع شركة ألبان دمشق_ وهو مطلب يتكرر منذ ثلاث سنوات_ وإيجاد منتجات بديلة لشركة تجفيف البصل في السلمية، إضافة إلى توفير جبهات عمل للمؤسسة العامة للجيولوجيا، ودعم معمل أحذية مصياف الذي يعاني من تقادم الآلات، وإعادة تأهيل محلج دير الزور، وتأمين منافذ لتسويق منتجات القطاع العام.
واقع العمال!
كرر ممثلو العمال المطالبة بالتثبيت، واستبدال العقود الموسمية ذات الطبيعة الدائمة بعقود سنوية، إضافة إلى رفض التسريح التعسفي وتحقيق الأمن الصناعي، وتسوية أوضاع العمال الملتحقين بالخدمة العسكرية، إلى جانب ترميم الشواغر في المنشآت التي تشكو من نقصٍ في العمالة، وعدم حرمان العمال الذين وضعوا أنفسهم تحت التصرف من حقوقهم المكتسبة وفي طليعتها الطبابة.
قضايا مطلبية
أشار العمال إلى عشرات المطالب المهنية التي لم تلق آذانا مُصغية، رغم أنها طرحت من قبل على مسامع الحكومة، مثل: منح بدل اللباس للمهندسين الزراعيين العاملين بصفة مراقبين بيطريين، وتقديم حسومات لأبناء العمال في التعليم الموازي والمفتوح أسوة بأبناء المعلمين، وعدم اتخاذ الموافقة الأمنية شماعة لحرمان بعض العمال من حقوقهم، وعبر العمال أيضاً عن رفضهم لفكرة دمج الشركات العامة والتي سبق أن أثبتت فشلها.
الصحة والخدمات
استنكر العمال فلتان الأسعار الذي تشهده المشافي الخاصة، والارتفاع المستمر في أسعار الأدوية، وفقدان بعضها من السوق، وأكدوا على مراجعة واقع التأمين الصحي، وإعادة النظر في تسعيرة وزارة الصحة، وضرورة معالجة الوضع الخدمي في دير الزور، التي ما تزال تشكو عدم ترحيل الأنقاض وقلة الإنفاق الاستثماري وإهمال الحكومة.
ردود الحكومة
جاءت إجابات الحكومة ضمن ثلاث مسارات، أولها: الإشادة بالسياسات الاقتصادية الحكومية، وما بذلته الحكومة لتحسين معيشة المواطن، وهو الجانب الأكثر اتساعاً، والذي غطى أكثر من نصف الردود الحكومية، مثل: الحديث عن ارتفاع مخزون القمح، وانخفاض أسعار بعض السلع مقارنة بالعام الماضي، كالسكّر والبطاطا، وأنها إنجازات تستحق التقدير وترفع لها القبعة، والثاني: التأكيد على أن هذا الموضوع أو ذاك ما يزال قيد الدراسة، وأنه يجري العمل على تحسينه، وليس على العمال سوى الانتظار بصبر، حتى تنهي الحكومة مهماتها، ومن ذلك: تعديل قانون العاملين الأساسي والقانون رقم 17 وقانون التنظيم النقابي وقانون التأمينات الاجتماعية، والعمل على تثبيت العمال بعقود سنوية، وإيجاد حلول للشركات العامة المتعثرة ورفع قيمة التعويض العائلي.. أما الاتجاه الثالث في إجابات الحكومة: يقع ضمن إطار الحديث عن الظروف الصعبة التي تواجهها الحكومة والتي تزيد من المسؤوليات الملقاة على عاتقها، وتحد من إمكانية قيامها بتعديلات حقيقية للواقع المعيشي، ولا سيما فيما يتعلق بزيادة الأجور.
وباختصار يمكن القول: إن الردود الحكومية لم تكن سوى عبارات جاهزة وأعذارٍ منمقةٍ ألفتها آذاننا في كل مؤتمر أو ملتقى عمالي، وسلة ملآى بالإنجازات والمآثر الحكومية، التي نسمع عنها دون أن نرى منها شيئاً على أرض الواقع.