الحركة النقابية .. ثمانون عاماً من المخاض
عادل ياسين عادل ياسين

الحركة النقابية .. ثمانون عاماً من المخاض

يقول «ماركس» في مقدمة نقده للاقتصاد السياسي: «في إنتاج الناس الاجتماعي لحياتهم، يدخلون في علاقات محددة، ضرورية ومستقلة عن إرادتهم، وهي علاقات إنتاج تطابق درجة معينة من تطور قواهم الإنتاجية المادية».

 

تكُّون الطبقة العاملة
الطبقة العاملة السورية مرت بمراحل متعددة في تشكلها وتبلورها كحركة عمالية، وكان هذا مرهوناً بمجموعة من العوامل، منها: مستوى الحريات السياسية والديمقراطية، ومستوى تطور العلاقات الإنتاجية، من شكلها الأول الحرفي إلى مستوى أخر، سادت فيه المكننة والتكنولوجيا الصناعية المتطورة وفق ذاك الزمان، بالإضافة لوجود عدد من المعامل التي كانت تضم المائة عامل وما فوق.
تطابق الدور الوطني والطبقي
إن اجتماع العوامل مع بعضها، مكنت الحركة العمالية من أن تكون إحدى القوى الوطنية الفاعلة في النضال الوطني والطبقي، إلى جانب القوى الوطنية في الصراع مع العدو المستعمر، من أجل إنجاز الاستقلال التام عن المستعمر الفرنسي، ومن أجل حقوقها ومطالبها المختلفة، التي لابد من انتزاعها في ذلك الوقت، كون المستعمر الفرنسي قد فرض مجموعة من القوانين والإجراءات التي قيدت الحركة العمالية، ودفعتها لابتداع أساليب مختلفة تؤمن لها إمكانات انتزاع حقوقها، بما فيها حقها في تشكيل نقاباتها المستقلة المعبرة تماماً عن مصالحها، ومنها: من أجل ثمان ساعات عمل وزيادة أجورها، وتأمين العمال ضد إصابات العمل والمرض.
الشيوعيون قادة في الحركة
الحركة العمالية في سياق تطور عملها وتوسع مهامها الوطنية والطبقية، لم تكن بمفردها بل كان إلى جانبها ومعها وفي قلب المعركة الحزب الشيوعي السوري، حيث قدم الحزب للحركة العمالية كل ما هو ضروري في معركتها الوطنية والطبقية، ابتداءً من تأسيس الكثير من النقابات العمالية، وصولاً إلى تقديم برنامج سياسي اقتصادي، إلى الانخراط المباشر في نضالاتها اليومية أثناء الإضرابات والمظاهرات، التي قامت بها الطبقة العاملة السورية، وكان هناك الكثير من القيادات العمالية الفاعلين في المحافظات المختلفة الرئيسة هم من الشيوعيين، ذكرهم شيخ النقابيين إبراهيم بكري في كتابه أراء ومواقف سياسية وطبقية.
لقد ارتكز الشيوعيون السوريون في نضالهم العمالي، على ميزان القوى الذي تغير في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وإلى النهوض الوطني في مواجهة المستعمر، وعلى الخبرة الواسعة التي راكمتها الحركة العمالية العالمية «النقابية الأممية الحمراء»، وتم نقلها والاستفادة منها في سياق النضال الذي خاضته الطبقة العاملة السورية، وتمكنت من إيجاد هيكلها التنظيمي المستقل بقراراته وأدواته، بما فيها حق الإضراب والتظاهر، والتي عبرهما تم انتزاع قانون للعمل، كبديل لقانون الشغل العثماني الذي تم سارياً في زمن الاستعمار الفرنسي، باعتباره قانوناً يلبي حاجات المستعمر في قمع الحركة العمالية وتنظيمها النقابي، والذي سقط بعدها، واستبدل بقانون للعمل، تضمن الكثير من الحقوق والمطالب العمالية، بما فيها شرعنة حق الإضراب للطبقة العاملة وحركتها النقابية.
البرجوازية تتنازل للعمال
إن البرجوازية الوطنية، التي أسست لبناء صناعة وطنية مستفيدة من ظروف الحرب، كانت مضطرة لتقديم تنازلات للطبقة العاملة، تحت ضغط الطبقة العاملة نفسها، والبرجوازية تعلم بخبرتها وتجربتها وزن الحركة العمالية في العملية الإنتاجية، وما يمكن أن تفعله الحركة العمالية إذا لم تلبّ مطالبها من شلٍ للعملية الإنتاجية، من خلال تمسكها بسلاحها الهام، وهو: الإضراب.
الصعود في الحركة العمالية
إذاً، من خلال ما سبق ذكره، يمكن أن نجمل عوامل نهوض الحركة النقابية والحركة العمالية السورية، وعوامل تراجع دورها الذي بدأ من نهاية الخمسينات بالتالي:
1_ الانتقال من مرحلة التصنيع الحرفي إلى مرحلة التصنيع الواسع مع قدوم الشركات الأجنبية، ومع بداية دور البرجوازية الوطنية، في إيجاد صناعات متطورة، في عدد من المحافظات الرئيسة، هذا أدى إلى زيادة عدد العمال وتمركزهم في تجمعات كبيرة نسبياً عما كانت عليه في مرحلة الإنتاج الحرفي، وبالتالي تطورت مطالبهم وتنوعت حقوقهم وازداد وعيهم.
2_ وجود الاستعمار الفرنسي وضرورة مقاومته، جعل الطبقة العاملة في مقدمة القوى الوطنية المنخرطة في مقاومة المحتل.
3_ الدور الذي لعبه الشيوعيون، والمستمد من النهوض العام للحركة الثورية العالمية في نقل التجربة والخبرة، وفي القيادة المباشرة للمواجهة المباشرة مع المستعمر، وفي بلورة المطالب السياسية والحقوقية للطبقة العاملة.
4_ تغير موازين القوى الدولية، وبروز دور المعسكر الاشتراكي الداعم لتحرر الشعوب ولقضية الطبقة العاملة.
الهبوط في الحركة العمالية
من منتصف الخمسينات وما بعد، بدأ العد العكسي في التراجع ليس في دور الحركة العمالية والنقابية والسورية فقط، بل على المستوى العالمي، الذي عكس نفسه بالضرورة على ما كان يجري عندنا، بالرغم من كل الشعارات التي رفعت، والتي هي بالشكل اشتراكية، ولكن الأمور كانت تسير باتجاه آخر، يؤسس للدور اللاحق لنمو وتطور ما كان يسمى بالبرجوازية البيروقراطية، التي راكمت ثرواتها من خلال وجودها في جهاز الدولة، وتحالفت لاحقاً مع البرجوازية الطفيلية، التي استفادت إلى الحد الأقصى من تعاملها مع جهاز الدولة الذي نهبته، وجعلت منه بقرةً حلوباً، هذا الواقع المستجد كان يلزم له لكي يستمر مجموعة من القوانين والإجراءات، بما فيها منع الحريات الديمقراطية والسياسية والعمل السياسي، وتقييد الحركة النقابية والعمالية ضمن إطار يمنعها من الدفاع عن حقوقها ويقيد حركتها.
مهماتنا
إن المهمة الأساس التي تواجه الحركة العمالية، هي: الخروج من الأطر التي تعيق استقلالية قرارها، وتمنعها من المواجهة مع السياسات الليبرالية، التي أفقرت الطبقة العاملة، وجعلت مستوى معيشتها متدنياً إلى حدٍ بعيدٍ، بسبب النهب الكبير للثروة، الذي أدى إلى تمركزٍ عالٍ لها على حساب الأجور وحقوق العمال.