التأمينات.. الدائن المدين
أيام مضت على خبر موافقة رئاسة مجلس الوزراء على منح سلفة بقيمة ثلاثة مليارات ونصف ليرة سورية لمؤسسة التأمينات الاجتماعية، حتى تتمكن من سداد الالتزامات المترتبة عليها للعمال، ما يعيد إلى الذهن تلك التساؤلات المؤرقة حول مصير هذه المؤسسة التي تحمل على كاهلها أعباء الأجور الشهرية لآلاف المتقاعدين على امتداد البلاد، وهل ينتهي المطاف بإفلاسها، أو خصخصتها بذريعة إنقاذها من العجز.
والسؤال هو: كيف وصل الحال بمؤسسة بحجم التأمينات الاجتماعية بما تملكه من خزينة ضخمة إلى الاقتراض، لإيفاء جانب من التزاماتها تجاه مشتركيها، مع العلم أنه كانت لها مبالغ كبيرة في ذمة الحكومة، ومنشآت القطاعين العام والخاص، تقدر بثلاثمئة مليار ليرة سورية؟
أموالنا لا أموالهم
بدأت المشكلة عندما أخذت الحكومة تتعامل مع أموال مؤسسة التأمينات الاجتماعية كما لو كانت ملكاً لها، ومن حقها التصرف فيها كما تشاء، فأخذت تقترض منها بغير حساب، وترافق ذلك مع تقاعس العديد من الجهات العامة والخاصة عن أداء التزاماتها المالية الشهرية تجاه المؤسسة، وهكذا تراكمت الديون المستحقة للمؤسسة على أطراف عدة، مع العلم أن جميع هذه المبالغ هي أموال خاصة ذات نفع عام، أي: إنها تعود بأكملها للعمال، إذ تقتطع من أجورهم سواء بشكل مباشر، أو عن طريق أرباب العمل بشكل غير مباشر، والغرض الأساس منها، هو: تأمين أجور تقاعدية لسائر المشتركين، إضافة إلى تغطية ما قد يتعرضون له من إصابات عمل.
ومنذ عدة أشهر، وجهت قاسيون إلى المؤسسة العديد من الأسئلة حول مصير أموالها، وما إذا كانت تعمل على تحصيل ديونها من الجهات المقترضة، وبدورها أكدت المؤسسة: أنها لا تدخر جهداً لاستعادة أموالها واستثمار الأموال المتاحة، بهدف تدعيم مركزها المالي، ما ينعكس إيجاباً على خدماتها، ويحقق أفضل النتائج عند تحصيل ديونها المتراكمة، وفي تفاصيل هذا الموضوع جاء في رد المؤسسة: «إن بعض الجهات العامة لم تسدد الاشتراكات التأمينية في مواعيدها، مما أدى إلى تراكم الديون عليها حيث بلغت ديون المؤسسة على جهات القطاع العام لغاية 31\ 12\ 2016 مبلغ 225 مليار ليرة سورية، وقد قامت المؤسسة بكل الإجراءات اللازمة لتحصيل الديون المتراكمة على كافة الجهات، وهي: مطالبة جميع الجهات العامة والخاصة بسداد الاشتراكات والديون المتراكمة، وإجراء المطابقات مع كافة الجهات، إلى جانب طلب المؤازرة من كافة الجهات المعنية لتحصيل أموال المؤسسة».
لكن الحديث عن الموافقة على أن تقوم الحكومة بمنح سلفة لمؤسسة التأمينات الاجتماعية يضرب بعرض الحائط جميع هذه التأكيدات والوعود، فكيف للمؤسسة أن تقترض من طرف هو مدين لها أصلا بمالغ ضخمة، وهل يعني ذلك اعترافاً بتنازل المؤسسة عن ديونها لصالح الحكومة؟
استثمارات غائبة
على الجانب الآخر، يقبع موضوع الأموال التي استثمرتها مؤسسة التأمينات الاجتماعية، طارحاً المزيد من إشارات الاستفهام حول المصير الذي ينتظرها، فقد ناضلت المؤسسة حتى حصلت على حق استثمار الأموال المودعة لديها في مشاريع مربحة، تساعد على رفد خزينها، وتحسين الخدمات التي تقدمها للمشتركين كما يفترض، وفي عام 2001_ أي قبل الأزمة بعشر سنوات تقريبا_ أجاز القانون رقم 78 لمؤسسة التأمينات الاجتماعية استثمار 50% من فائض أموالها في مجالات تضمن ريعية استثمارية بعد دراسة الجدوى الاقتصادية لها، وفي عام 2003 حددت هذه المشاريع التي يمكن اعتبارها آمنة، وذات ريعية استثمارية جيدة بأنها تشمل: الإيداعات النقدية لدى المصارف، شراء العقارات، إنشاء المساكن الشعبية، المشاريع السياحية والخدمية والمساهمة في مشاريع وطنية ذات جدوى اقتصادية.
وبالاستناد إلى ما نص عليه القانون، قامت المؤسسة باستثمار أموال العمال عبر إيداع جزء منها لدى المصرفين العقاري والصناعي، والمساهمة في تأسيس بعض المصارف كبنك قطر الوطني، وبنك الأردن، وبنك البركة.. وشراء أراض وعقارات في العديد من المحافظات، بالإضافة إلى مشاريع سياحية عديدة.
مفارقات حاضرة
بين اتساع الاستثمارات والتحذيرات من الإفلاس، تنشأ المفارقة العصية على الفهم، فإذا كان من الطبيعي أن تتسبب الأزمة في تراجع عائدية بعض المشاريع، فما هو مصير المشاريع الأخرى، ولماذا اختارت المؤسسة منذ البداية أن تستثمر أموالها في مشاريع خدمية، بعيداً عن المشاريع الإنتاجية التي من شأنها أن تحقق معدلات توظيف أعلى، وتنمية اقتصادية أكبر بما يلعب دوراً اجتماعياً حقيقياً ينسجم مع صفة التأمينات الاجتماعية كمؤسسة هدفها دعم المجتمع في المقام الأول.