الطبقة العاملة والقادم من الزمن!
التصريحات الإعلامية التي تدلي بها بعض القيادات النقابية، حول ضرورة أن تستعد الطبقة العاملة والحركة النقابية للقادم من الأيام، دون تفسيرات واضحة حول ما هو المقصود بالقادم من الأيام، المفترض أن تستعد له الطبقة العاملة وحركتها النقابية، هل هو بالجانب الانتاجي المفترض فيه إعادة تشغيل المعامل وتأمين مستلزمات الإنتاج من مواد أولية وطاقه وخلافه؟ وهذا الجانب واضح، أن الحكومة ليس ذلك من مهماتها الأولى وإنما تطرح الكثير من الكلام والشعارات، دون توجهات فعلية ملموسة بهذا الصدد.
إن إعادة التشغيل، ليس فقط آلات وخطوط إنتاج تدور، بل هي أوسع من ذلك: إنها حقوق عمال لابد أن يعيشوا بكرامتهم من خلال أجور مجزية تؤمن متطلباتهم وحاجاتهم التي افتقدوها، ولم يعودوا قادرين على تأمينها، وهذه قضية أساسية يجري إغفالها بشتى الذرائع والحجج، وهي ممكنة التحقيق، ومصادر تمويلها واضحة من جيوب الذين اغتنوا من الأزمة وراكموا المليارات، وما زالوا يقومون بفعلتهم هذه، تحميهم الأنظمة والقوانين والسياسات الاقتصادية السائدة، التي لها دور في مراكمة حطب الأزمة التي اندلعت نارها.
سبعة أعوام من عمر الأزمة الوطنية السورية انقضت، تكشّف عنها عمق الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والديمقراطية، التي كانت في جزء مهم منها: السياسات الليبرالية الدافعة لحزمة واسعة من الإجراءات والتشريعات، كان، ومازال لها الدور الرئيس في تعميق الفرز الطبقي، حيث انقسم المجتمع تقريباً إلى طبقتين أساسيتين من حيث نصيب كل منهما من الدخل الوطني: «أجور- أرباح»، وهذا يعني من الناحية السياسية والاقتصادية: أن الأغنياء ازدادوا ثراءً ونفوذاً، والفقراء ازدادوا فقراً، وتقيدت حريتهم في الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، لأن المتعارف عليه أن القوانين والتشريعات والسياسات تعبر عن موازين القوى السائدة في المجتمع، وتعبر عن مصالح الطبقة المهيمنة سياسياً واقتصادياً، لهذا كان تأثير الأزمة كبيراً على الفقراء، وهم من دفعوا فاتورة الفقر والبطالة والتشرد والتهجير من مناطقهم التي دمرتها الحرب الظالمة، وسيبقون يدفعون الفواتير الناتجة عنها لعشرات من السنين، إذا لم يحدث تعديل حقيقي في موازين القوى لمصلحة أغلبية الشعب السوري، من حيث النظام الاقتصادي الجديد، وآليات إعادة الإعمار المفترض أن تكون موارده في الأغلب لا تحمل أية شروط سياسية تمس السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني.
كان للطبقة العاملة السورية الحصة الأساسية من فاتورة الأزمة المدفوعة إلى الآن، لأنها خسرت معظم مواقعها الإنتاجية، سواء في القطاع العام أو الخاص، الذي خسر معظم عماله حقهم بالعمل بسبب التسريح الواسع الذي تعرضوا له، والمقدر بعشرات الألوف من العمال، وهروب الكثير من أصحاب الأعمال بأموالهم إلى الخارج، وإغلاق منشآتهم، وأيضاً بسبب وقوع العديد من المعامل في مناطق ساخنة، لا يمكن للعمال الوصول إليها، ومن هنا يمكن القول: أن فقراء الشعب السوري بعماله وفلاحيه وحرفييه لهم مصلحة حقيقية في الحل السياسي، الذي يتضمن وقف التدخل الأجنبي بأشكاله كلها، والذي سيؤدي إلى وقف العنف نهائياً، مما يعني: انفتاح الأفق أمام الطبقة العاملة في الدفاع عن حقوقها، ومصالحها المعبرة عن المصالح العامة لأغلبية الشعب السوري، التي جرى الهجوم عليها من خلال السياسات الليبرالية التي تبنتها الحكومات السابقة، والحالية قبل الأزمة وأثناءها.
إن المرحلة القادمة سيكون طابعها الأساسي هو: العمل السياسي المفتوح على مصراعيه، وهذا يعني إعادة اصطفاف القوى المختلفة على أساس البرامج التي تطرحها حول مستقبل سورية، والشكل المفترض أن تكون عليه سياسياً واقتصادياً، حيث يتطلب من القوى الوطنية، وفي مقدمتها الحركة النقابية: التوافق على برنامج الحد الأدنى المعبر عن مصلحة وحقوق أغلبية الشعب السوري، في مواجهة قوى الفساد الكبير التي تحضر نفسها منذ وقت بعيد لإعادة الاستثمار في مرحلة ما بعد الأزمة.