الوقوع في شرك التشاركية
غزل الماغوط غزل الماغوط

الوقوع في شرك التشاركية

تتحفنا الحكومة كل حين بقرارات وتصريحات تصب في مجملها ضمن مسعى واحد يرمي إلى دعم فكرة التشاركية، وإرسائها على أنقاض قطاع الدولة، والفكرة في جوهرها بسيطة، تتمثل: في محاربة قطاع الدولة بكل السبل الممكنة حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة، لتسلم دفة الاقتصاد الوطني إلى أيدي أصحاب رؤوس الأموال تحت مسمى التشاركية، بحجة أن القطاع الحكومي فقد أهليته وقدرته على قيادة الاقتصاد السوري، فما صحة هذه الادعاءات؟



لا غنى عنه
يصور القطاع الحكومي على أنه قطاع فاشل وغارق في الفساد، والحقيقة أن أحداً لا ينكر ما اقتيد إليه هذا القطاع بفعل سنوات من الحرب، وعقود من النهب المنتظم دون رادع، لكن ذلك في المحصلة لا يلغي دوره الأساس في إمداد خزينة الدولة بالأموال اللازمة لإنشاء مشاريع جديدة، وتوفير فرص عمل وتحسين مستوى معيشة المواطن.. وهي قضايا لا يكترث لها القطاع الخاص الذي يولي اهتمامه لجمع وتكديس أكبر كمٍّ ممكنٍ من الأرباح في أقصر وقت، ما يعني ذهاب عائدات الصناعة والإنشاءات الضخمة إلى جيوب قلة قليلة من المستثمرين، دون أي نفع للأغلبية الساحقة من الناس.
شراكة لمصلحة من؟
في لقاء جمع  رئيس الحكومة مع الاتحاد العام لنقابات العمال منذ عدة أيام تحدث خميس عن علاقة شراكة بين النقابات والحكومة، مشيراً إلى أن «العمل يتم بشكل مكثف لإعادة هيكلة مؤسسات القطاع العام، بما يتناسب مع مرحلة إعادة الإعمار، ويحقق الاستثمار الأمثل لليد العاملة، بحيث تغدو هذه المؤسسات قوة اقتصادية متكاملة».
بعيداً عن الكلام البراق يمكن اختصاره «إعادة الهيكلة» بأنها تهيئة الاقتصاد السوري لمزيد من الخصخصة في مرحلة إعادة الإعمار «وحسب الاقتصاديين تعني إعادة الهيكلة: تقليص دور الدولة في العملية الإنتاجية، وتقليص الإنفاق العام على الخدمات، وتوجيه الاقتصاد نحو التصدير وليس لسد احتياجات الناس»، عبر تصنيف منشآت القطاع العام إلى ثلاثة أقسام، أولها: الشركات الخاسرة والتي سيتم إعدامها بدلاً من محاولة إنقاذها، وثانيها: الشركات الحدّية التي يمكن القول: أنها ليست بخاسرة ولا رابحة، وإنما في مرحلة وسطية وصلت إليها بفعل الإهمال الحكومي المتعمد، وإلقاء اللائمة دائماً على مشجب الحرب، وهذه الشركات لن يطول بها الأمر وسرعان ما ستلحق بسابقاتها إذا استمرت التوجهات الحكومية على ما هي عليه، أما الثالثة: فهي الشركات الرابحة التي يبدي القطاع الخاص رغبة في السيطرة عليها، و»يسن أسنانه» بانتظار طرحها للتشاركية في أقرب وقت.
بطيب خاطر
الغريب في الأمر، أن تمر التشريعات كلها والهادفة إلى إقصاء قطاع الحكومة وإخلاء الساحة أمام القطاع الخاص، وأمام النقابات بكل سهولة ويسر ودون اعتراض يذكر، بل أن تتطور الأمور لاحقاً لتصرح الحكومة بأنها ونقابات العمال شركاء، ما يعني أن النقابات قد قبلت وبكل رضى بما تطرحه الحكومة حول قطاع الدولة من إجراءات، وهو إهدار لمصالح العمال لحساب الحكومة التي تحابي القطاع الخاص علناً ودون مواربة.
قبول النقابات بالأمر الواقع الذي تطرحه الحكومة، يطرح تساؤلات كثيرة وإشارات الاستفهام: لماذا تأخذ الحكومة هذه التوجهات ولمصلحة من؟ وما مصير الآلاف من عمال الشركات التي سيتم إغلاقها بحجة أنها خاسرة، بدلاً من دعمها والاستثمار فيها.. وفي المقابل ماذا عن العمال الذين ستطرح شركاتهم للتشاركية، وسينتهي الأمر بتسريح قسم كبير منهم، وإلزام من تبقى بالعمل تحت رحمة قانون العمل 71 سيء الصيت، كما هو حال عمال السورية للاتصالات، وفوق هذا كله: ما الموارد التي ستتبقى للحكومة لإنشاء مشاريعها المقبلة إذا قدمت  كل ما كان في وسعها تحقيقه من أرباح إلى مستثمري القطاع الخاص على طبق من ذهب؟ أسئلة لا جدوى من طرحها على الحكومة التي باتت صريحة في مساعيها نحو الخصخصة، لكن ماذا عن طرحها على النقابات التي كانت ذات يوم قلعة منيعة تحمي حقوق العمال؟.

معلومات إضافية

العدد رقم:
838