زيارة لتجمع حوش بلاس
دخلنا تجمع المنطقة الصناعية في حوش بلاس من مدخلها الوحيد المتبقي على أوتستراد صحنايا، محاولين رصد ما أمكن من واقع المهن والمهنيين الموجودين هناك بشكل عام، ومئات العمال فيها بشكل خاص.
يعتبر التجمع المركز الأكبر في دمشق وريفها والمتخصص بكل ما يتعلق بالمركبات الثقيلة والسيارات، من قطع للغيار والصيانة العامة باختصاصاتها وفروعها كافةً.
مقصد للأيدي العاملة
يضم التجمع ثمانية آلاف عقار ما بين محلات صغيرة ومستودعات واسعة تتوزع على أكثر من ألف كتلة، ويمكن القول بأن النشاط فيها قد تحسن بشكل جيد خلال الفترة الماضية، كون الكثير من المهنيين وأصحاب المحلات قد عادوا إلى أبواب رزقهم بعد انقطاع جبري لا يخفى على أحد.
وعليه فإن الأيدي العاملة القديمة المتمرسة والجديدة الراغبة في التعلم والعيش الكريم عادت لتقصد التجمع، علّها تستطيع تأمين ضرورات الحياة، والتي باتت حلماً لا يحققه العمال المأجورون أينما كانوا.
شراكة أم استغلال؟
قد يظن الكثيرون بأن هؤلاء المهنيين و(المعلمين) هم أصحاب المحلات التي تزدحم أمامها مختلف أنواع المركبات، ولكن الحقيقة تختلف عن الظن، فالغالبية العظمى من هؤلاء مجرد شركاء مضاربين (شريك بتعبو ومعلميتو) لهم نسبتهم المجحفة، فيما تذهب النسبة الأكبر لصاحب المحل (الكراج).
لم نفاجأ حين علمنا بأن بعض التجار يملكون أكثر من محل ومستودع واحد، قد يصل عددها إلى أكثر من ثمانية أو تسعة عقارات، مما يجعله متحكماً برقاب العديد من الحرفيين (ومعلمي المصالح) وهذا ما أكده لنا «أبو باسل» الميكانيكي المتخصص بالسيارات الألمانية، الذي استرسل في شرح المظلومية الواقعة عليه من أصحاب المال والمحلات، فشريكه (إن صحت هذه الصفة) هو تاجر مستورد لقطع الغيار من أوروبا والصين، ويمتلك العديد من المستودعات ومحلات بيع القطع، وهو لم يكتف بما يجنيه من هذه التجارة، بل شرع في مشاركة العديد من المهنيين والفنيين ليضع حرفتهم وتراكم خبرتهم في خدمة أرباحه، وزيادة رصيده البنكي الذي لا يعلم غير الله كم صفراً فيه، تاركاً لهم نسبتهم غير العادلة، لا قانوناً ولا إنسانياً.
وداعاً للمصلحة!
إن كان وضع المهنيين الذين لا يملكون محلهم الخاص سيئاً، فإن وضع العمال يعتبر الأشد سوءاً، كيف لا وهم الحلقة الأضعف (كالعادة) في سلسلة هذا القطاع الحرفي والتجاري الواسع، علماً أن هذه الشريحة العمالية هي من القطاع الخاص غير المنظم، ولا قانون ينظم علاقتهم بأرباب الأعمال، ولا حقوق يُقر لهم بها.
ويمكن تلخيص لقائنا مع العشرات منهم بالعديد من النتائج التي تختصر أوضاعهم، التي لا تسر أحداً، وأهم تلك النقاط: أن أغلب العمال الجدد الوافدين للعمل في هذا القطاع باتوا يفضلون (مصالح) تختلف عن السابق، ففي العقد الماضي كان مقصد العمالة الوافدة حينها الميكانيك بالدرجة الأولى، لتتبعها التجليس والدهان، وبعدها كهرباء السيارات.. وهكذا.
ويعود السبب بأن الهدف من العمل قد اختلف، ففي حينها كان الهدف تعلم المصلحة من ألفها إلى يائها(مصلحة ذهب) دون التدقيق والاكتراث بالأجر المدفوع أو شروط العمل، وبالتالي فإن الأجور كانت تحدد وفق أهمية الاختصاص وتعقيده، أما في الوقت الحالي، ولأن الهدف الأول هو: الأجر الذي سيحصلون عليه، والأجر فقط، بغض النظر عن القيمة المهنية للمصلحة وضرورة تعلمها، لذلك شاهدنا عمالة كافية في محلات (الدوزان) و(الكوليه) و(الإشكمانات) يقابلها نقص عند الميكانيك والحدادة، فالأجر الأسبوعي لعامل الدوزان أو الكومجي 7-12 ألف في حين لا يتجاوز في الميكانيك 4 ألاف بأحسن الأحوال، ناهيك عن ظروف العمل الأكثر شدة.
بعيداً عن أنظار الجميع
من إحدى القضايا الرئيسة التي شاهدناها هي: عمالة الأطفال والفتية، حيث يمثلون الغالبية العظمى من مجمل العاملين في المجمع، والتقينا ببعضهم، حيث أجمعوا على أن الوضع المعيشي المخيف لأسرهم دفع بهم قهراً إلى العمل تحت هذه الظروف، ومقابل هذه الأجور التي يعينون بها عائلاتهم، وأكدوا لنا تكرار إصابتهم بإصابات عمل، بعضها خطير لدرجة عالية، ويكتفي صاحب العمل بتضميد جروحهم في المحل أو تقطيبه في المشفى الحكومي، دون أن يدفع أي تعويض أو زيادة نسبية على الأجر.
وبدا لافتاً استيعاب العمال الفتية من الذين تجاوزوا الرابعة عشر من عمرهم للعبة العرض والطلب على العمال، وأخبرونا عن كيفية انتقالهم من محل إلى آخر كي يحصلوا على أجر أعلى، وخاصة أولئك من يطلقون عليهم(نص معلم)، في حين فشل البعض في ذلك بسبب تآمر أرباب العمل عليهم.
وحين بادرنا وسألناهم عما إذا كانت لجان التأمينات الاجتماعية ونقابات العمال تقوم بجولات وزيارات على أماكن عملهم المختلفة، لم يعرفوا عما نتحدث، واكتفوا بابتسامة بيضاء على وجوه ضاعت تحت الشحم الأسود!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 831