بصراحة وزيرة الشؤون الاجتماعية خبيرةً «اكتواريةً» بجدارة

استعرضت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل د. ديالا الحج عارف كالعادة عضلاتها الفكرية في الدورة الرابعة لاجتماعات المجلس العام لاتحاد نقابات العمال في سورية، في معرض ردها على مداخلات اليوم الثاني لاجتماعات المجلس، مبررةً تدخلات صندوق النقد الدولي في القرار الاقتصادي الوطني بالدراسة «الاكتوارية» التي قامت بها بعثته في مؤسسة التأمينات الاجتماعية والعمل، بحجة المنحة «البريئة» التي دفعها الصندوق للمؤسسة!!

ومن خلال خبرتنا ومعرفتنا بأهداف الصندوق وغاياته، ندرك أن هذا الصندوق لا يمنح منحاً بريئة لأحد، ولا يقوم بالدراسة من أجل الدراسة، فالمنح التي يقدمها تخدم بالضرورة خطاً سياسياً اجتماعياً واقتصادياً لطبقة أو فئة محددة، من مصلحته تحكمها بمفاتيح الاقتصاد الوطني، ويتجسد هذا الخط أساساً بالهجوم على حقوق العمال ومكاسبهم، من خلال تخفيض التكاليف، ورفع نسبة الأرباح، وهذه المعادلة على المدى المنظور محققة في الاقتصاد السوري، وفقاً لتقارير النقابات، والتقارير الصادرة عن الحكومة.

إن المبررات التي طرحتها الوزيرة لقبولها منحة البنك الدولي، ولاستقبالها خبرائه، توضح نيتها في تخفيض نسب الاشتراكات في التأمينات الاجتماعية من نسبة 24% إلى 14%، من أجل جذب العمال في القطاع غير المنظم إلى القطاع المنظم، وهذا ما سيلحق ضرراً فادحاً بالاشتراكات التأمينية للعمال، وخاصةً عند وصولهم إلى سن التقاعد، حيث أن الدراسة تنصُّ على تخفيض نسبة المعاش التقاعدي من 75% من الراتب بخدمة تبلغ ثلاثين سنة، إلى 60% من الراتب بخدمة تبلغ أربعين عاماً. هذا بالإضافة إلى ما ستخسره التأمينات الاجتماعية من مبالغ لا يستهان بها جراء التخفيض المقترح. ولنا في تجربة وزارة المالية مع أرباب العمل وشركات القطاع الخاص، خير مثال على ذلك، فقد قامت الوزارة بتخفيض نسبة الضرائب المفروضة عليهم، من أجل تشجيعهم على دفعها، ورغم ذلك فمازال التهرب الضريبي كبيراً، ومن يدفع الضرائب كاملة هم العمال والفقراء وأصحاب الدخل المحدود فقط.

وتعترف وزيرة الشؤون الاجتماعية أيضاً بأن عدد العمال المسجلين في التأمينات الاجتماعية في سورية يبلغ ثلاثة ملايين عامل فقط، من أصل ستة ملايين عامل، رغم الشكوك التي تحوم حول صحة هذا الرقم.
من حقنا هنا أن نتساءل: كيف تقبل الوزيرة بقاء ثلاثة ملايين عامل دون تسجيل في التأمينات الاجتماعية؟ أليس تسوية وضع هؤلاء بما يتناسب وإنسانيتهم أهم من البعثة «الاكتوارية» لصندوق النقد الدولي؟
وحول قانون العمل الجديد الذي قالت الوزيرة «الاكتوارية» إن صيغته الجديدة ستحمي العامل من التوقيع على الاستقالة المسبقة، فإن هذه الصيغة لن تحمي العامل مطلقاً، فالمشكلة ليست في القانون وصيغته، بغض النظر إن كانت مرنة أو متشددة، بل في المنظمات التي تحمي العامل داخل المعمل وخارجه، وعدم انحياز المؤسسات التي من المفترض بها أن تكون حيادية بين العامل وأرباب العمل، وأن تطبق القانون الذي يحقق مصالح طرفي العملية الإنتاجية، فالمرسوم /49/ الخاص بقضايا تسريح العمال صالح لحماية العمال من التسريح التعسفي، لو توفرت له الظروف الطبيعية لكي يأخذ مفاعيله في حماية تلك المصالح.
وقد صرح مصدر مطلع في قيادة الاتحاد لـ«قاسيون» أن الوزيرة كانت على علم بوجود خبير «اكتواري» لدى النقابات، لكنها تجاوزت ذلك، وفضلت الاعتماد على بعثة صندوق النقد الدولي للقيام بهذه الدراسة «الاكتوارية»!!

 ونظراً لإصرار الوزيرة على استعمال مصطلح «اكتوارية» رغم كونه غير  مفهوم إلا للقليل من الاختصاصين، فإننا سنقوم هنا بتوضيح معناه: فحسب القاموس الدراسي فإن «الاكتواري» هو الموظف الرسمي المكلف بكتابة المحاضر، ويعرَّف بأنه مفكر متعدد المواصفات الإستراتيجية، ومتمرس في النظريات والتطبيقات.
وللعلم فقط، فإن كل خمسة ملايين مواطن في الدول العربية يقابلهم خبير اكتواري واحد، بينما في الدول الغربية هناك 16 خبيراً اكتوارياً لكل مليون مواطن، أي أن نسبة الاكتواريين في الدول العربية تقل ثمانين مرة عن مثيلتها في الدول الغربية، وبما أن تعداد الشعب السوري يبلغ عشرين مليون نسمة، فيجب أن يحظى بأربع خبراء اكتواريين وفق المعدلات العربية، فمبارك لشعبنا خبراؤه الاكتواريون، وعلى رأسهم وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل التي أثبتت جدارتها «الاكتوارية» بشكل منقطع النظير!!


 

معلومات إضافية

العدد رقم:
385