أرباب العمل يبتلعون الزيادة... والعمال يضربون

تزداد يوماً بعد يوم معاناة العاملين لدى القطاع الخاص، وخصوصاً فيما يتعلق بالأجور التي يتقاضونها، والتي لاتتناسب إطلاقاً مع الحد الأدنى للوفاء بمتطلبات العيش الكريم، ورفض تسجيلهم لدى التأمينات الاجتماعية، وحمايتهم ضد أخطار المهنة، وعدم تعويضهم عن أي عطل وضرر ناجم عن العمل لديهم.

وإذا كان عمال القطاع العام ـ على عيوبه ـ في منأى عن هذه المخاطر، فإن عمال وموظفي القطاع الخاص لازالوا في غالبيتهم يتعرضون للنهب المنظم لأجورهم وعرقهم وتعبهم، فهم يعملون ساعات طويلة ولايقبضون سوى الفتات، بينما يقبض أرباب العمل الأرباح الفاحشة، ومع أن المُشرع خوّل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تحديد الحد الأدنى لأجور عمال القطاع الخاص، وطلب منها في المادة 158 من قانون العمل الاجتماع لمرة واحدة على الأقل في السنة لاقتراح زيادات إلى الأجور مع مراعاة أن يكفي الأجر لسد حاجات العامل الضرورية، إلا أن ذلك لم يرق لكثير من أرباب العمل، الذين لايزالون يرفضون تدخل الوزارة التي قامت مؤخراً برفع الحد الأدنى لأجور العاملين لدى القطاع الخاص بما يتناسب ـ برأيها ـ مع الحد الأدنى للحاجات المعاشية الضرورية للحياة، فأصدرت القرار رقم 893 تاريخ 25/7/2004 رافعة فيه الحد الأدنى للأجور بنسب تتراوح بين 5 ـ 15%، هذه الزيادة التي لم تأت بجديد على اعتبار أنها لاتلبي احتياجات المعيشة الضرورية، لم ينفذ أصحاب العمل هذا القرار وضربوا به عرض الحائط.

وبين أيدينا مثالان صارخان من حمص، يبينان مدى الاستخفاف بحقوق العمال، ومدى العتو وهضم حقوقهم.

عمال المقاهي بحمص

أصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قرارها رقم 464 تاريخ 23/5/2004 القاضي بتحديد الحد الأدنى لأجور عمال مهنة المطاعم والمقاصف، والقرار رقم 565 بنفس التاريخ الخاص بتحديد الحد الأدنى لأجور عمال المقاهي بمحافظة حمص، فوجه القرار الأخير مثلاً بأن يكون الحد الأدنى لأجر النادل مقدم المشروبات الشهري بـ 3810 ل.س ثلاثة آلاف وثمانمائة وعشر ليرات، فإذا أضفنا إليها 15% وبما لايقل عن 600 ل.س الزيادة المقررة بموجب القرار 893 تاريخ 25/7/2004، فيصبح أجر النادل 4410 ل.س أربعة آلاف وأربعمائة وعشر ليرات، كما حدد القرار الحد الأدنى لأجر مساعد النادل شهرياً بـ 3550 ل.س ثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسون ليرة سورية، ومع الزيادة الأخيرة يصبح 4150 ل.س.......إلخ لكن وحتى تاريخ كتابة هذه الكلمات لم ينفذ أي من القرارات السابقة، وبقيت حبراً على ورق ولم تستطع النقابات فعل شيء يذكر كما لم تستطع الوزارة الدفاع عن قرارها.

عمال معمل أوكسجين حمص

أما المثال الثاني فهو عن عمال شركة أوكسجين حمص وعدد عمالها أحد عشر عاملاً، والرواتب التي يقبضونها أصابها فقر دم مزمن، وهنا أيضاً رفض رب العمل تطبيق قرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الأخير بزيادة أجور العمال في القطاع الخاص، حتى أن أحد عماله لم يتعد راتبه الـ 5800 ل.س رغم مرور ثمانية عشر عاماً على عمله بهذا المعمل أي منذ عام 1986، وحتى الزيادة ماقبل الأخيرة منعها عنهم أشهراً طويلة، وبعد صراعات ورجاءات صرف نصف المبلغ المقرر كزيادة والباقي مازال في علم الغيب. أما الزيادة الأخيرة فقد رفض صرفها بشكل نهائي. وحين راجع العمال النقابة المختصة أبلغتهم أنهم بحاجة إلى طلبات انتساب للنقابة، فقدموا هذه الطلبات، لكنها عادت فأخبرتهم بعد فترة أنها لم تستطع فعل شيء، ونصحتهم بأن يقيموا دعوى على رب العمل. كما راجع العمال الشؤون الاجتماعية والعمل، والتأمينات الاجتماعية، وتلقوا نفس الجواب: أقيموا دعوى على رب العمل!!!

العمال الذين يعملون بظروف صعبة للغاية لم يلقوا أي اهتمام من قبل إدارة المعمل، حتى قتل احد العمال بسبب انفجار أسطوانة أوكسجين، يومها رفض أصحاب المعمل نقله إلى المستشفى مخافة أن تتسخ سيارتهم بالدماء!!؟

ورغم مطالبة العمال بتحسين ظروف عملهم قبل الحادثة وبعدها، إلا أن شيئاً لم يتغير حتى سقط عامل آخر بانفجار مشابه للأول؟!

وقد يتعجب البعض لاختلال موقع إشارتي الاستفهام والتعجب بكلتا المرتين، فالأولى تعجبت أولاً من الأخلاق العالية التي يتمتع بها أصحاب العمل، والتي جعلتهم يرفضون نقل المصاب إلى المشفى مخافة اتساخ سيارتهم بالدماء! ثم تساءلت أين المحاسبة؟

وفي المرة الثانية تساءلت مباشرة عن المحاسبة؟ وتعجبت من تغيبها!

كما أن أصحاب المعمل يرفضون كفالة عمالهم لدى مصرف التسليف الشعبي، رغم أنهم مسجلون لدى التأمينات الاجتماعية والعمل!؟

العمال حالياً مضربون عن قبض رواتبهم احتجاجاً على عدم احتساب الزيادة الأخيرة، رغم أن أسعار اسطوانات الأوكسجين قد ارتفعت بما يعادل الزيادة ماقبل الأخيرة، وأصبح سعرها الجديد170 ل.س للاسطوانة الواحدة وعلمنا أن تكلفتها لاتتجاوز 25 ل.س مع أجور العمل.

في النهاية

فإن السؤال الذي يطرح نفسه: متى يخرج عمال القطاع الخاص من تحت مطرقة التهديد: (من لا يعجبه فمصيره الطرد إلى الشارع والانضمام إلى جيش المنتظرين لفرصة عمل).

ومتى يقوم هؤلاء العمال من على سندان الأجور الزهيدة التي لاتكفي للحد الأدنى من متطلبات الحياة.

طبعاً الجواب برسم الجهات الوصائية المسؤولة عن فرض قرارات اتخذتها وزارة مسؤولة.

 

■ الحاج أبو يسار الحمصي

معلومات إضافية

العدد رقم:
230