70 % من عمال القطاع الخاص خارج المظلة التأمينية

يعد عدم تسجيل العاملين في مؤسسة التأمينات الاجتماعية والعمل، واحدةً من المشكلات العديدة والمتشعبة التي يعاني منها أغلب العاملين في سورية، وخصوصاً عمال القطاع الخاص، وهذا ما جاء ليؤكده التقرير السنوي للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، حيث أوضح أنه يوجد حوالي 3 ملايين عامل خارج مظلة مؤسسة التأمينات الاجتماعية والعمل، بينما قدرت المؤسسة ذاتها عدد العاملين الإجمالي في القطاعين العام والخاص بنحو 6 ملايين عامل.

لا بد من الإشارة بداية إلى أن حوالي 75% من العاملين في سورية هم من العاملين في القطاع الخاص (4,5 مليون عامل)، وهذا يعني أن ثلاثة ملايين منهم خارج مظلة التأمينات الاجتماعية، لأن العاملين في القطاع العام كافة هم مسجلون سلفاً ضمن المظلة التأمينية، والتي تشكل ضماناً حقيقياً لأي عامل أينما كان.
هذا الرقم المخيف، رغم عدم تعبيره إلا عن جزء بسيط من الحقيقة، إلا أنه يمثل اعترافا رسمياً بكارثة إبعاد غالبية الطبقة العاملة السورية في القطاع الخاص من سجلات مؤسسة التأمينات، بدءاً بعمال المطاعم والفنادق الذين يجبرون على تقديم استقالات مسبقة تحسباً لأي «كبسة» لفريق التأمينات الاجتماعية، مروراً بالعاملين في أكبر شركات القطاع الخاص الخدمي، والذين إذا ما سجلوا في التأمينات الاجتماعية، فإن تسجيلهم يكون في معظم الحالات بجزء لا يتعدى 30% من الراتب الفعلي الذي يتقاضونه... وصولاً إلى أغلب العاملين في القطاع الخاص الصناعي والنسيجي  في سورية غير المنضوين تحت مظلة التأمينات الاجتماعية. فهذا التهرب من تسجيل العاملين في القطاع الخاص لا يعتبر مشكلة العامل وحده الذي يحرم من أولى حقوقه التي نصت عليها بنود قانون العاملين والتأمينات الاجتماعية، لأنه في الوقت ذاته يمثل تهرباً من واجب هذا القطاع الخاص تجاه المؤسسة العامة للتامينات، التي تقوم باستثمار هذه الأموال حتى يحين وقت سدادها وإعطائها لأصحابها في مشاريع مختلفة تعود بدورها بالنفع على الاقتصاد الوطني والموازنة العامة. كما أن المادة الأولى من قانون التأمينات الاجتماعية أعطت المؤسسة حق ممارسة الحقوق المخولة للسلطات المالية، بموجب قانون جباية الأموال العامة، لتحصيل المبالغ المترتبة لها من المشتركين والمتخلفين عن الاشتراك، بموجب قانون التأمينات الاجتماعية وتعديلاته، في الوقت الذي يؤكد فيه تقرير سابق للاتحاد العام لنقابات العمال أن القطاع الخاص لا يساهم بمجمله نشاطاته إلا بحوالي 7 بالمئة من الضرائب المباشرة المجباة على الدخل، رغم أنه يساهم بـ60% من الناتج المحلي، ويحوي 70% من مجموع العاملين في سورية. والسؤال: ما أسباب هذا الفارق الكبير بين نسبة المساهمة في الدخل ومقدار الضرائب المباشرة المجباة؟!

كما أن القطاع الخاص خالف عبر تهربه وانتهاكه الضريبي المفضوح المادة 18 من قانون التأمينات الاجتماعية التي تنص: «يكون التأمين في المؤسسة إلزاميا بالنسبة لأصحاب الأعمال والعمال، ولا يجوز تحميل العمال أي نصيب في نفقات التأمين إلا فيما يرد به نص خاص»، فهذه المادة تفرض بشكل صريح وواضح تسجيل كافة العاملين في منشات القطاع الخاص لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. والسؤال الأهم: لماذا تتهاون مؤسسة التأمينات الاجتماعية والعمل، إن لم نقل تتخاذل، في الحصول على حقها؟!! رغم معرفتها الواسعة والمشرعنة قانوناً بحجم الحقوق التي تمتلكها في ذمة عشرات الآلاف من مؤسسات القطاع الخاص (100 ألف منشأة حسب تقرير صدر في وقت سابق عن الاتحاد العام لنقابات العمال!!) وهذا ما أوضحه تقريرها أيضاً!!
ولماذا لم تعمل المؤسسة على تنفيذ ما ينص عليه القانون، رغم امتلاكها القدرة والنص القانوني الداعم؟!! أم أن «تعباية الجيوب» هي الأكثر راحة للرؤوس والأكثر دفئاً للجيوب...
كما أن التقرير السنوي للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية يأتي في الوقت الذي أقر فيه مجلس الوزراء منذ أيام قليلة قانون العاملين الأساسي، الذي شكل بصيغته الأولى محاولة لتغليب مصلحة رب العمل على العامل عبر مادة العقد شريعة المتعاقدين، كما أنها تمثل ظلماً معلناً عبر إباحة التسريح التعسفي دون إنذار مسبق.
ويضاف إلى ذلك مشكلة حرمان العاملين في القطاع الخاص من زيادة الرواتب والأجور ، على الرغم من الرفع النظري لرواتب وأجور العاملين في هذا القطاع من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، حيث أظهرت نتائج استبيان أجرته مجلة «الاقتصادي» السورية أن 80% من العاملين السوريين في القطاع الخاص غير راضين عن أجورهم، وأوضحت الدراسة أن 31% تتراوح رواتبهم مابين 20-25 ألف ليرة سورية، و2% رواتبهم تزيد عن 50 ألف ليرة، بينما 67% المتبقية تقل رواتبهم عن 20 ألفاً، علماً بأن العينة التي اختارتها المجلة تشمل: 5% مديرين، 8% مديرين فرعيين، 11% رؤساء أقسام، 28% موظفين إداريين «مكتبيين»، 48% عمال على آلة أو جهاز، 50% منهم يعملون لمدة تتجاوز عشر ساعات في اليوم،  أي أن هذا الاستطلاع يبين بوضوح انخفاض سوية الرواتب قياساً بالمطلوب، على الرغم من أنه لا يعبر عن شرائح واسعة في القطاع الخاص تتقاضى رواتب تتراوح بين 5-10 ألاف ليرة سورية مقابل ساعات عمل تزيد عن 9 ساعات يومياً.
وفي السياق ذاته لا بد من الإشارة إلى مزاجية أرباب العمل في منح الحقوق القانونية للعاملين لديهم، بدءاً بالإجازات السنوية التي لا يحصل أغلب عمال القطاع الخاص حتى على جزء بسيط منها، كما أنهم لا يحصلون على أي تعويض مقابل حرمانهم منها، وهذا ما أشار إليه تقرير الاتحاد العام لنقابات العمال من أن معظم عمال هذا القطاع محرومون من الإجازات السنوية والطبابة المجانية والتعويض العائلي والتدفئة على عكس القطاع العام.

معلومات إضافية

العدد رقم:
411