نزار عادلة نزار عادلة

في كل الأزمات.. العمال يدفعون الثمن.. تسريح في الداخل وتطفيش في الخارج.. فما العمل؟

كانت التصريحات الحكومية خلال السنوات الماضية وتحديداً، إبان الأزمة المالية الاقتصادية العالمية تؤكد بشكل دائم على محدودية تأثير الأزمة على سورية، والوقائع كانت تشير إلى أن الأزمة عالمية ستمس كل النظام الاقتصادي العالمي في مراكزه وأطرافه، وهي عالمية بفعل درجة انفتاح السوق العالمية وانفتاح السوق المحلية نتيجة سياسة اللبرلة الاقتصادية وتحرير المبادلات، والخدمات وحركة رؤوس الأموال.

 الجانب المالي
هذا الجانب كان يرتبط بدرجة الانفتاح الذي جرى في الساحة المالية والبورصة وحجم رأس المال الموظف وعلى البنوك، أما الجانب الجانب الاقتصادي فكان يرتبط بالتدفقات من الاستثمار الأجنبي المباشر وعدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المرتبة بهذه الاستثمارات.
وفي الجانب العمالي وعلى الرغم من نفي الجهات الحكومية من تأثيراتها فقد جرت في الأعوام الماضية أي إبان الأزمة تسريحات عمالية، وخصوصاً في قطاعات البناء والمصارف وغيرها، وكانت المحصلة أن 50 ألف عامل سوري فقدوا وظائفهم في دول الخليج العربية في العام الأول من الأزمة، وتبع ذلك في عام آخر تسريح أكثر من 200 ألف عامل. علماً أن تحويلات العمال السوريين بلغت عام 2007 ملياري دولار، وفي كل الأحوال استمرت الأزمة، ومازالت وهي بعمقها وشموليتها وتداعياتها أدخلت العالم في أزمة نظرية، وعملية عميقة ومن الصعوبة بمكان تقديم حصيلة دقيقة عن تداعياتها على الاقتصاد السوري.
 
أزمة أخرى ولكن!
بعد الأزمة العالمية وتأثيراتها على العمالة السورية تحديداً جاءت الأحداث التي تشهدها سورية منذ بداية العام الماضي لترخي بظلالها على العمالة السورية في الداخل والخارج، حيث قال مدير عام ترويج الصادرات لصحيفة محلية إنه «علم مؤخراً بأنه تم فصل 100 ألف عامل من جميع القطاعات»، ونحن أيضاً علمنا أن عشرات الآلاف من السوريين في دول الخليج وليبيا تم فصلهم خلال العام الفائت، والسؤال المطروح هو: ماذا أعدت الحكومة من برامج واستراتيجيات أمام مواجهة هذه الأزمة؟ ولماذا لم يعد النظر في التوجهات التي أقرت في الخطة الخمسية العاشرة ومعدلات النمو، ومصادره وتنوعه، وفرص العمل المحققة، وتوازن الميزان التجاري، ووضع برنامج زمني للإقلاع بالقطاع العام، والتوسع به من أجل مئات الآلاف من العمال السوريين الذين فقدوا أو سوف يفقدون أعمالهم في سورية، وفي الخارج لينضموا في سورية إلى جيش العاطلين عن العمل.
 
الأسئلة الصعبة
يبدو أننا أمام أسئلة صعبة لأن الحكومة لم تقم بأي دور أمام الأزمة التي نشهدها. طبعاً التصريحات الحكومية في كل الحكومات المتعاقبة تقول بأن هناك نوايا جادة لحماية اليد العاملة السورية في الخارج وتنظيمها ولكن على أرض الواقع لم يتحقق شيء رغم أن أغلب الدول العربية المصدرة لقوة العمل استفادت من جميع الاتفاقيات ومواثيق منظمة العمل العربية والدولية المتعلقة بانتقال الأيدي العاملة العربية وخاصة أن هذه الاتفاقيات قد صادقت عليها سورية ولكن لم توقع حتى الآن اتفاقية مع أي دولة عربية مستقبلة لليد العاملة السورية سوى لبنان في حين أكثر الدول العربية المصدرة لليد العاملة كمصر وتونس والمغرب والأردن والسودان وافقت على اتفاقيات ثنائية مع الدول النفطية المستقبلة لقوة العمل حول تنظيم الهجرة وتأمين حقوق العمال وضمان تحويل عائداتهم إلى وطنهم وإقامة أسرهم وضمان تأمين مستقبلهم لدى عودتهم إلى الوطن «هذا مع العلم أن الاتفاقية التي وقعت مع لبنان لا تعطي نتائج ولا تفيد العامل السوري لأن العمالة السورية في لبنان موسمية وليست دائمة».
 
من هنا
من هنا وانطلاقاً من تلك المؤشرات، كيف يمكن أن نطلب من الجهات الوصائية إعداد برامج وخطط، ورسم سياسة استخدام وتشغيل واتخاذ إجراءات لتأمين فرص عمل مناسبة للآلاف الذين يهجرون ويتوافدون يومياً إلى سورية بالإضافة إلى 250 ألف عامل يدخلون سنوياً إلى سوق العمل لأول مرة؟!. كيف يمكن أن نطالب الجهات الوصائية بعقد اتفاقيات عمل، وضمان اجتماعي مع الحكومات التي يعمل في بلدانها عمال سوريون وحماية ومتابعة تنظيم هجرة اليد العاملة السورية في هذه الدول من خلال التنسيق وتنظيم هجرة المهنيين والفنيين؟؟!.
نعم، يمكننا أن نطالب بذلك، وأن نفرض ذلك بشتى الطرق لأن سورية وتحديداً الحكومة السابقة وقعت مئات الاتفاقيات التجارية والاقتصادية والثنائية مع أكثر الدول العربية والأجنبية، وشكلت مجالس رجال أعمال من سورية وتلك البلدان، وهدفت هذه الإجراءات إلى تنشيط العمل التجاري، وتشجيع الاستثمار، وتعزيز العلاقات اقتصادية وفتح أسواق جديدة لمنتجات سورية. فهل كانت الحكومة السابقة غير قادرة على توقيع اتفاقيات لحماية اليد العاملة؟ وهل الحكومة الحالية عاجزة عن اتخاذ إجراءات حاسمة في هذا الموضوع؟!.
يرى اتحاد العمال في هذا الصدد أنه لابد من رسم سياسات استخدام وتشغيل واتخاذ الإجراءات المناسبة لتأمين فرص عمل داخلية وخارجية كافية، ومناسبة للقوى العاملة الداخلة إلى سوق العمل، والبحث عن أسواق عربية لليد العاملة السورية عن طريق السعي لتوقيع الاتفاقيات الثنائية الخاصة بانتقال اليد العاملة العربية ،وتحسين ظروفها، وخاصة مع دول الخليج، ومعالجة الصعوبات التي تواجه العمال مع الحكومات وعقد اتفاقيات عمل، وضمان اجتماعي مع الحكومات التي يعمل بها عمال سوريون.
وطالب الاتحاد عبر مؤتمرات ومجالس عمالية عديدة بضرورة عقد اتفاقيات عمل وضمان اجتماعي مع الحكومات التي يعمل بها عمال سوريون، وإحداث ملحقيات عمالية لرعاية وحماية ومتابعة اليد العاملة السورية والعمل على أن تكون عمليات الهجرة وطلبات الاستخدام الخارجي من خلال الأجهزة الحكومية المختصة بشؤون الاستخدام بالتعاون مع اتحاد العمال والحد من تدخل الوسطاء في ذلك.
 
وسطاء وسمسارة
بالإضافة إلى ما يتعرض له العامل السوري في دول الخليج من هضم لحقوقه وتسريح تعسفي، والتوقيع على عقد إذعان مع رب العمل بحيث يصبح أسيراً له يستطيع تسفيره إلى بلده متى شاء إذا وجد فرصة عمل أفضل، فإنه يخضع في بلده أيضاً إلى ابتزاز كبير من مكاتب وساطات وسمسرة افتتحت في العاصمة دمشق في السنوات الأخيرة، وهي تبيع تذاكر الإقامة وكروت الزيارة كأي سلعة أخرى، وذلك بالاتفاق مع خليجيين لقاء مبالغ تصل إلى 200 ــ 300 ألف ل.س، ويسافر العامل بعد أن يستدين ويبيع ما يملكه ليفاجأ بعقد إذعان لقاء دخل بسيط بالإضافة إلى تحكم صاحب العمل بالعامل، لذلك أكدت النقابات على أن تكون عمليات الهجرة وطلبات الاستخدام من خلال الأجهزة الحكومية حصراً، ولكن هذا لم ينفذ حتى الآن.