بصراحة... الإصلاح نعمة أم نقمة؟

جميعنا متفق على بأن اقتصادنا الوطني يعاني من أزمة حادة حيث وصلت معدلات النمو عام 1999 ـ 2000 إلى مادون الصفر مما ينعكس سلباً على وضع البلاد وعلى تطور القوى المنتجة بشكل عام ومنذ سنوات تطرح على بساط البحث عملية الإصلاح الاقتصادي ويجري نقاش حاد ومعمق حول أهمية هذا الإصلاح ودور الدولة كناظمة له.

وفي الوقت الذي تتجاذب فيه عربة الإصلاح قوى مختلفة تحاول أن تحقق مصالحها عبر عملية الإصلاح نفسها بغض النظر عن مصلحة القوى المنتجة صاحبة المصلحة الحقيقية في الإصلاح نفسه الذي من المفروض أن ينعكس بشكل إيجابي على أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.

والدولة التي تقع عليها مسؤولية تنفيذ الإصلاحات يجب أن تشكل الحلقة الوسيطة بين مصالح المواطن والوطن بحيث تنطلق رؤيتها العملية للإصلاح باتجاه تأمين نوع من التوافق بين مصلحة المواطن والوطن لأنها بهذا الشكل تؤمن الأرضية التي يجب أن يرتكز عليها أي إصلاح يخدم عملية التنمية الشاملة وعندما تقوم الدولة بعكس ذلك أي بإيجاد التناقض بين مصلحة المواطن والوطن تكون قد أفرغت الحامل الاجتماعي للإصلاح من قوننة العملية التي يجب أن تحشد كقوى منفذة لعملية الإصلاح بحد ذاتها.

وتكمن الخطورة في المرحلة الحالية بأن الدولة بكل مفاصلها تسير بالاتجاه الثاني، أي باسم الإصلاح يخلق تناقض غير مبرر بين مصالح المواطن والوطن وخير دليل على ذلك الانسحاب التدريجي للدولة من استحقاقاتها الاجتماعية عبر معادلة فصل الدور الاجتماعي للدولة عن الدور الاقتصادي.

وهنا تكمن إشكالية السلطة التنفيذية «الدولة» حيث تعمل باتجاه واحد يمثل مصالح ممثلي اقتصاد السوق عبر نظرياتهم التي تحاول أن تحمل الطبقة العاملة السورية مسؤولية الركود الاقتصادي والأزمة الاقتصادية بشكل عام ضمن رؤية أن هناك فائضاً في العمالة السورية في القطاعات الإنتاجية والخدمية، دون التوقف على أسباب هذه العمالة الفائضة وهل هي حقاً فائضة يجب التخلص منها عبر استصدار قوانين جديدة ناظمة للعمل تسمح بالتعويض المبكر والمعاش التقاعدي المبكر لإخراج أكبر عدد ممكن من العاملين خارج إطار سوق العمل الرسمي وذلك بدعوى معالجة مشكلة البطالة المتزايدة في البلاد.

وهذا إن دل فيدل على هروب منظم من استحقاقات التنمية الاقتصادية الشاملة في البلاد التي يجب أن تقوم بها الدولة التي فشلت حتى هذه اللحظة بمعالجة الأسباب الحقيقية للأزمة الاقتصادية التي نعيشها جميعاً، وهذا يتطلب منها أن تكون أكثر جرأة بالتصدي للأسباب الحقيقية التي تساهم بشكل مباشر في استشراء هذه الأزمة  والتي من أهم أسبابها النهب المنظم والعشوائي لخيرات البلاد والشعب والذي يصل إلى ما فوق 20 ـ 25% من دخلنا الوطني.

لهذا فعلى الدولة أن تكافح الفساد وعبر بوابة الحد من النهب غير المعقول لموارد الدولة والشعب معاً.

ويتم ذلك بتفعيل دور الطبقة العاملة وحركتها النقابية التي يجب أن تأخذ دورها العملي في محاربة  الفساد لا أن تكون جزءاً مدافعاً ومبرراً عنه وفق مصالحها الخاصة.

ففي الوقت الذي يجب أن نحشد فيه طاقات شعبنا لمواجهة الأخطار القادمة يجري افتعال تناقض لا مبرر له في هذه المرحلة بين عملية الإصلاح وأصحاب المصلحة الحقيقية في الإصلاح فلا يجوز أن يدفع عاملنا ثمن الإصلاح الذي من المفروض أن ينعكس عليه بشكل إيجابي وأن يكون الإصلاح لمصلحة القلة التي تثري على حساب لقمة أطفالنا ومستقبلهم فهذا يعني تحويل الإصلاح إلى نقمة على عمالنا بدل أن يكون نعمة لهم...

■ سهيل قوطرش

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.