حول التعاميم بشأن إقصاء النقابيين بعد الـ60 هل يجوز أن (يعفى) الجائع من لقمة خبزه؟!! مامدى استقلالية النقابات؟!
كانت التعاميم الصادرة عن الاتحاد العام لنقابات العمال بشأن إقصاء النقابيين الذين بلغوا سن الستين من العمر مفاجئة وأثارت الاستغراب والاستياء ليس فقط في أوساط المعنيين، إنما بين كافة الأوساط النقابية والمهتمة بالشأن النقابي والمتابعة له، فالقرار أثار أسئلة تتعلق بمدى استقلالية تلك النقابات، ومدى حضورها السياسي، وطبيعة علاقتها بالحكومة، وبالتالي إمكانية تحقيق العمل النقابي للمهام المترتبة عليه، في حال خضع للوصاية أو فقد استقلاليته...
فقد أعفت التعاميم الصادرة المتقاعدين أو الذين بلغوا سن الستين من العمر، من متابعة مهامهم ونشاطاتهم في قيادات المنظمات الشعبية والمنظمات المهنية والنقابات المهنية الفرعية بناءً على جملة من التعاميم، صدرت عن الاتحاد العام لنقابات العمال، كانت تمهيداً لصدور هذا القرار، علماً أن تعاميم الاتحاد العام لنقابات العمال حملت معها مخالفات قانونية وتنظيمية ستنجم عن تطبيق مضمون هذه التعاميم، وسنذكر بعضاً من المخالفات تلك...
ما التعاميم..؟ ما المخالفات؟
التعاميم التي صدرت عن الاتحاد بشأن إقصاء النقابيين البالغين الستين من العمر من مستوى اللجان ومكاتب النقابات، عن مواقعهم المنتخبين إليها في إطار الدورة النقابية الرابعة والعشرين 2002 ـ 2007، جاءت بصورة متتابعة ومتلاحقة، لتأتي على مخالفات قانونية وتنظيمية مع كل تعميم جديد، وفي كل منها ما يثير الجدل واللغط، ويفتح الباب واسعاً لاستياء العمال وزيادة الضغط الممارس بحقهم.. ويدفعهم للشك في قوة القوانين الناظمة للعمل النقابي في سورية..
نبدأ من التعميم رقم 1312/2 الصادر بتاريخ 5/7/2003 وجاء فيه: (اعتبار مكان النقابي المحال على التقاعد بعد بدء الدورة النقابية الرابعة والعشرين 2002 ـ 2007/ وظيفة شاغرة)..
يخالف هذا التعميم بوضوح نص المادة /24/ من قانون التنظيم رقم 84 لعام 1968 التي تنص: «يحق للعمال المندرجين الانتساب للنقابة، كما يحق للمتقاعدين والمتعطلين منهم الاحتفاظ بعضوية نقاباتهم». كما أنه يخالف أيضاً المادة /44/ من القانون فقرة/ب/التي لم تشترط في عضو النقابات أي شرط عمر سوى الشرط المتعلق بالأهلية. «قد أتم الثامنة عشرة من عمره» كذلك لم يرد أي نص في كافة مواد ونصوص قانون التنظيم النقابي رقم /84/ بزوال صفة العضوية أو القيادة عمن بلغ سن الستين أو أحيل للتقاعد...
شواغر نقابية!
دعوة الاتحاد العام إلىترميم الشواغر قبل موعد المؤتمرات السنوية للنقابات جاء متعارضاً من الناحية القانونية مع قانون التنظيم النقابي رقم /84/ نفسه، وبشكل خاص مع المادة /41/ من القانون، والتي توجب في مثل هذه الحالات على الاتحاد عقد اجتماع غير عادي (استثنائي) للتداول بالأمر، ولكن بناء على طلب الأكثرية المطلقة لأعضاء المؤتمر، وهو مالم يحدث أبداً.. فلم يصدر عن النقابات المعنية بوجود شواغر من وجهة نظر الاتحاد العام أي دعوة لإملاء الشاغر، حتى في جدول الأعمال المقرر للمؤتمر العادي!
مسألة الشواغر تظهر أيضاً في التعميم الصادر عن الاتحاد رقم 1832/3 بتاريخ 18/9/2003، المتضـــمن طلـــب تـــرمـــيـــم الشواغر و«الالتزام بنوعية الشاغر المطلوب». ماذا يعني «الالتزام بنوعية الشاغر المطلوب»؟!
يعني أن يتم ترميم الشواغر بالطريقة التالية: العنصر النسائي يرمم بالعنصر النسائي، وشواغر أحزاب الجبهة من أحزاب الجبهة، وشواغر المستقلين من المستقلين، إلخ...
إن هذا التوجيه مضمون التعميم، يتعارض على الأقل مع مبدأ الديمقراطية الشعبية الذي يؤكد على حرية وديمقراطية العمل النقابي داخل التنظيم النقابي الذي يعتبر مكاتب المنظمات النقابية هي صاحبة الحق، ومرجع الطعن الوحيد في كل ما يتعلق بانتساب العامل إلىالنقابة أو فصله منها بعد أن كان القضاء هو المرجع في هذه الأمور. وهذا ماورد صراحة في الأسباب الموجبة لمشروع المرسوم التشريعي المتعلق بالتنظيم النقابي الذي اعتمد وصدر عام 1968م.
من أين أتوا بها؟!
التعميم رقم 2411/ 3 الصادر بتاريخ 31/12/ 2003، أكـــد على موقف الاتحاد السابق من قضية الشواغر وذلك باعتبار مكان كل من أحيل على المعاش التقاعدي ويشغل مهمة في التنظيم النقابي، مكاناً شاغراً والطلب من اتحاد المحافظة اتخاذ الإجراءات التنظيمية والقانونية لملء هذه الشواغر على مستوى اللجان ومكاتب النقابات. وهذا ما يتعارض أيضاً مع أحكام القانون السابق والمادة 22 منه خاصة، والتي تقول: «تسير النقابة في أعمالها طبقاً لأحكام نظامها الداخلي» ولا يوجد نص في النظام الداخلي للنقابة يعطي الحق للاتحاد العام واتحاد المحافظة بممارسة هذه الضغوط على النقابات، فمن أين أتوا بهذه المادة؟!
تعميم سبق هذا التعميم وصدر بتاريخ 20/11/2003 ويحمل الرقم (2196/3) عن الاتحاد العام لنقابات العمال، ميز الاتحاد فيه بوضوح بين أعضاء النقابات..!
وجه هذا التعميم إلى نقابة عمال المصارف والتجارة والتأمين بطرطوس جواباً على كتابها رقم 281 بتاريخ 30/9/ 2003 المتضمن أن المتعاقدين والمتعطلين يمكنهم الاحتفاظ بعضويتهم النقابية (دون صفتهم القيادية) أي تزول عنهم الصفة القيادية وبالتالي يعتبر مكانهم شاغراً..
في هذا التعميم مخالفة واضحة لأحكام قانون التنظيم النقابي، والنظام الداخلي للنقابة حيث لايوجد نص واحد في القانون أو النظام يميز بين عضو وآخر في الحقوق والواجبات ضمن إطار التنظيم النقابي.
وماذا عن المستويات النقابية العليا؟
أما التعميم الذي صدر بتاريخ 11/1/2004 حاملاً الرقم 71/3، فهو تعميم لن يجد في أي من النصوص والقوانين سواء في أحكام قانون التنظيم النقابي، أو بنود النظام الداخلي ما يؤيده أو يستند إليه على الإطلاق..
فقد تضمن التعميم منع كل من أعفي من مهمته في قيادة المنظمة النقابية بسبب بلوغه سن الستين من الترشيح مجدداً لشغل المهمة نفسها التي كان يشغلها قبل إعفائه، وهذا يعزز الموقف بعدم صوابية توجيهات وتعميمات الاتحاد العام في هذا الخصوص، وفي كل ما يتعلق بشأن موقفه حيال النقابيين الذين بلغوا سن الستين ومحاولة إقصائهم عن مواقعهم النقابية التي انتخبتهم إليها مؤتمراتهم النقابية للدورة النقابية الرابعة والعشرين (2002 ـ 2007) واقتصار تطبيق هذا الأمر على مستوى مكاتب اللجان النقابية ومكاتب النقابات دون أن يشمل باقي المستويات النقابية الأعلى (اتحاد عمال المحافظة ـ الاتحاد المهني ـ الاتحاد العام).
هل المستويات النقابية العليا تلك تستطيع ممارسة مهامها النقابية بعد بلوغ الستين في حين لا يمكن لمستويات نقابية «أدنى» ممارسة مهام أقل حجماً بعد بلوغ العمر نفسه.
هل للقيادات طبيعة بيولوجية مختلفة عن طبيعة القواعد مثلاً؟!
النقابيون بصورة عامة مستاؤون من النتائج المترتبة على تعميمات الاتحاد العام للنقابات كما أنهم يعتبرون صدروها وتنفيذها هضماً لحقوقهم ومكتسباتهم عبر نضالهم الطويل، لأنها غير مستندة إلى أي سند قانوني أو نقابي أو حتى عرف وتقليد، ولم تكن لها سابقة في بلدنا ولا في أي بلد من بلدان العالم.. والمعروف لدى الجميع أن العمل السياسي حق للجميع، وليس لأحد انتزاع هذا الحق، فكيف إذا كان هذا العمل نقابياً...
الأخطر من ذلك أن القرار جاء على صيغة تثير المخاوف اتجاه الاستقلالية المفترضة للنقابات...
ومن ثم هل من الممكن أن ننزع عن أحدهم حقاً مكتسباً ونسمي ذلك إعفاءً؟! هل يجوز أن «نعفي» الجائع من لقمة خبزه مثلاً؟!!
■ المحرر