ماذا بعد الدمج؟ ولادة قيصرية للشركة العامة للطرق والجسور

قيل وبحق: القديم يحتضر والجديد لايستطيع أن يولد وفي الفاصل تظهر أعراض مرضية عظيمة ومزمنة.

شركة «قاسيون» التي تحتضر غير مأسوف على سلبياتها والشركة العامة للطرق والجسور التي لم تستطع أن تولد بعد، رغم العمل القيصري وفي الفاصل بين الاحتضار والولادة ظهرت وستظهر أمراض اقتصادية وإدارية وما يترتب عليها من عوارض أبرزها: الهدر والفساد والتسيب واللامسؤولية والتسلط وغيرها. وكي لا يكون الكلام شعراً جميلاً نلقي الضوء على موضوع خاص باستلام مواد لزوم مجبل بيتون  في فرع المنطقة الوسطى للشركة العامة للطرق والجسور أي «قاسيون» سابقاً.

فقد تعاقدت إدارة الفرع مع أحد المتعهدين الأشاوس لتوريد رمل قرواني، ومن موجبات العمل وجود لجنة استلام تقوم بمهامها يعاونها مخبر يجري اختبارات على عينات من المواد الموردة للشركة، وبالفعل تم أخذ العينات وبسبب تدني المكافئ الرملي لحمولات معينة قامت اللجنة المعنية برفض الاستلام خوفاً أو أخلاقاً من أنه تحدث كارثة تطال حياة الناس مستقبلاً كما حدث في سد زيزون أو ما سيحدث في غيره لاسمح الله ويسمح به بعض المسؤولين.

قرائي الأعزاء: ماذا تتوقعون أن يحدث؟ سأحكي لكم: فقد تواطأت الإدارة الموقرة مع المتعهد الشجاع الذي تجرأ على تمزيق الإيصالات الأصلية بوجه جهة مسؤولة في الإدارة وتحدى الجميع هناك. وهنا نسأل: من أين أتت هذه الجرأة للمتعهد بتمزيق وثائق رسمية، ونترك الاستنتاج للقراء وذلك لا يحتاج لذكاء أو عبقرية أو كيمياء.

وحتى تكتمل الملهاة والمأساة نذكر أن أعضاء لجنة الاستلام قد عوقبوا. فالمراقب الفني الأول عوقب بتنبيه تحت الرقم 221 / 30 تاريخ 2/9/2003 وعوقب مراقب فني آخر بعقوبة إنذار برقم 222/30 تاريخ 2/9/2003 وعوقب الكاتب عضو اللجنة بعقوبة تنبيه برقم 223/30 تاريخ 2/9/2003 وسبب العقوبة للأعضاء الثلاثة إهمال استلام مواد مستجرة لمجبل البيتون.

وفي سياق الحديث عن العقوبات وبعد صدور قرار من المدير العام للشركة بكف يد أو منع مدير الفرع من فرض العقوبات المالية على العاملين، ولكن هل تعتقدون أن الإدارة تقدم الوسيلة فكانت أن لجأت إلى وسيلة ليست جديدة وهي اعتبار بعض العاملين يوم غياب وبالتالي حسم أجر يوم عمل والغريب أن أغلب العمال المعاقبين كانوا على رأس عملهم فعلاً ومن كان غائباً فعلاً فهو حاضر ودون حسم.

وإذا كان من مهام الإدارة تحسين وتأمين شروط الإنتاج  فإن الإدارة قد فشلت، ولكنها حققت نجاحاً باهراً تحسد عليه في زيادة الإنتاج الخاص لمصلحتها الشخصية وبوسائل قانونية وشبه قانونية مثل «مكافآت + تعويضات» ونشير ونحن نقترب من الخاتمة أنه سبق وتحدثنا وكتبنا عن مواضيع أخرى وعديدة لا داعي لتكرارها وأصبحت معروفة للأغلبية، ولكن الإدارة لم تتجاوب بل تتجاهل عمداً هذه المطالب مما يجعلنا نسأل عن جدية الإصلاح ضمن وجود هذه الإدارات الفاسدة وأمثالها في مواقع المسؤولية والقرار.

 

إن الحديث عن الإصلاح يفترض وجود خلل وإذا كان المجتمع والدولة هما ميدان الإصلاح فلابد من علاج متكامل. أما أن يتقلص الإصلاح وصولاً إلى إصلاح إداري فهذا يعني أن سقف النخب البيروقراطية وحلفائها ما زال عالياً ويعيق هذا الإصلاح وإن لم يستطع الإعاقة فيعمل على حرفه وإفراغه من محتواه ومضمونه، وكي ينجح أي إصلاح لابد من عودة الناس إلى السياسة دفاعاً وتعبيراً عن مصالحهم.