لا يحق لمن لا يملك أن يعطي
52 مليار ل.س ديون التأمينات الاجتماعية (انطفأت) بجرة قلم وصائي!!
التأمينات الاجتماعية الوجه الآخر للعملة التي من خلالها يتم الإطباق على مقدرات الطبقة العاملة وحقوقها ومكاسبها، وهي ليست قليلة، حيث يدفع العمال من عرقهم ودمهم تأميناتهم الاجتماعية لتقيهم نائبات الدهر، وتؤمن لهم الحد الأدنى من كرامتهم المهدورة منذ اللحظة التي يبيع فيها العامل قوة عمله للرأسمالي سواء كانت حكومة أم رب عمل خاص، لا فرق كثيراً من حيث ظروف العمل والمعيشة.
إن أموال التأمينات هي أموال خاصة بالمعنى الحرفي للكلمة ائتمن القانون عليها التأمينات الاجتماعية لتدير شؤون هذه الأموال باتجاه أن تحقق للعمال مزايا وخدمات منها الطبية ـ السكنية ـ الثقافية ـ الاجتماعية ـ التقاعدية والإفتراضية، لا أن تفرط بما ليس لها حق التفريط به، لتذهب تلك الأموال تحت صيغة ديون جرى تسويتها وصائياً. هذا يعني خسارة العمال لأموالهم لتذهب إلى جيوب الناهبين بطرق مختلفة مشروعة وغير مشروعة.
فهل يحق لمن لا يملك أن يعطي؟؟ هذا ما أجابت عليه النقابات من خلال المذكرة التي رفعها رئيس الاتحاد إلى القيادة السياسية، رافضة تلك المذكرة التسوية غير العادلة لأموال العمال، حيث المنطق يقول أن تعود الأموال إلى أصحابها مع فوائدها، وليس (أن يذهب الجمل بما حمل)، أو كما قال مدير عام التأمينات (ذهبت الأموال من العب إلى الجيبة).
ليس هكذا أيها السادة: تلك الأموال لابد لها أن تعود إلى موطنها الأصلي لكي تؤدي الغرض المطلوب منها، وهو تقديم كل ما يعود على العمال بالنفع، وهذا يتطلب من النقابات تحركاً فاعلاً باتجاه استعادة تلك الأموال من خلال طرق مختلفة منها رفع دعاوى على التأمينات الاجتماعية والوزارة التي فرّطت بتلك الأموال، وعلى الحكومة أيضاً صاحبة القرار الوصائي في إطفاء تلك الديون بجرة قلم.
الآن مدير عام التأمينات يصرخ: لا يوجد لدى المؤسسة أموال كبيرة للاستثمار، وإن حجم الاحتياط من الأموال لدى التأمينات ثمانية مليارات تستثمرها لدى البنوك بفوائد جيدة. مع السماح بإقراض المتقاعدين وعمال القطاع الخاص المسجلين لدى التأمينات، وفي حال وقعت المؤسسة بأزمة مالية ماذا تفعل؟؟
هل تقترض من صندوق الدين العام أم من البنوك!! أو تسعفها وزارة المالية بجرعات مؤقتة، كما قيل أن الحكومة ستدعم المؤسسة في حال حاجتها للأموال. أليس الأجدر من كل تلك الوعود التي تبقى وعوداً، أن تعاد أموال العمال إلى التأمينات ليصار لاستثمارها في مشاريع أقلها مشاريع سكنية تساهم في حل أزمة السكن المستعصية بالنسبة للعمال وعائلاتهم، وهذا ما عارضته وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل باعتبار الاستثمار في مجال السكن العمالي غير مجد اقتصادياً. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه على الوزارة، أيهما الأجدى: تجريد العمال من أموالهم لصالح مؤسسات وخدمات خاضعة لكل أشكال النهب والتخريب أم استثمار تلك الأموال في مشاريع مهمة بالنسبة للعمال حيث تخلق لديهم الطمأنينة والاستقرار؟؟