عمال القطاع الخاص.. مهمشون لاصوت لهم!!
ساعات عمل طويلة.. أجور متدنية.. عقود عمل مجحفة.. إجازات محجوبة وممنوعة.. انعدام التأمينات والضمانات.. استقالات مسبقة.. غياب كل أشكال السلامة المهنية.. غياب الفعالية النقابية.. هذا هو حال العاملين في القطاع الخاص.. هذه الشريحة الواسعة من الطبقة العاملة السورية التي مافتئت منذ عقود و عقود تتعرض لظلم كبير من أرباب العمل دون أن تجد من يقف إلى جانبها ويناصرها من المسؤولين في مركز القرار الاقتصادي ـ الاجتماعي.
وتزداد معاناة عمال القطاع الخاص في الفترة الراهنة أكثر فأكثر، نتيجة التراجع الكبير النظري والعملي لدور الدولة في الحياة الاقتصادية مع ارتفاع الأصوات المشبوهة الداعية لللبرلة والخصخصة والانفتاح، ومايصحب ذلك من نشاط واسع ومحموم للبرجوازية الطفيلية التي أخذت عمليا ً بفرض إرادتها المعلومة على القرار الاقتصادي السوري، مستفيدة من الضغوط الخارجية التي تهدد مصلحة الوطن وسلامته، ومن التوجهات الحكومية الجديدة التي قررت أخيراً الارتماء في مستنقع اقتصاد السوق بكل مايعنيه ذلك من تراخ فيما يتعلق بحقوق الطبقة العاملة والكادحين بشكل عام، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تكبيل الحركة النقابية وتهميشها والحد من نشاطها ومن صلاحياتها وتحجيم مسؤولياتها لأكثر من أربعة عقود كان له بالغ الأثر في تدهور أوضاع الطبقة العاملة بصورة عامة وأوضاع العاملين في القطاع الخاص على وجه التحديد.
القطاع الخاص السوري... أرقام
يضم القطاع الخاص السوري مجمل الفعاليات الصناعية والتجارية والزراعية والسياحية الخاصة بما في ذلك من مؤسسات ومعامل وورش حرفية ومهنية ومزارع وفنادق ومطاعم ومكاتب تجارية...إلخ، وتساهم هذه الفعاليات مجتمعة بأكثر من 50% من الدخل الوطني وتشغل أكثر من 72.8% من عدد المشتغلين في سورية، مقابل 27.2% يعملون في القطاع العام.وبالأرقام فإن عدد العمال المسجلين في القطاع الخاص (المنظم) وصل إلى 1.558451 أما عددهم في القطاع الخاص غير المنظم فيقدر بنحو 1.675974 عاملاً.
ويبلغ إجمالي أجور العاملين في هذا القطاع سنوياً مبلغ 154555 مليون ل.س فيما تبلغ في القطاع العام 57746 مليون ل.س سنوياً.
وقد بلغ وسطي معدل التراكم في القطاع الخاص بين عامي (1997ـ 2003) 2.27% أما نظيره في القطاع العام فوصل بين العامين المذكورين إلى 8%
وفيما يتعلق بالميزان التجاري للقطاع الخاص فإنه خاسر، فحسب إحصائيات 2003، استورد هذا القطاع ما قيمته181314 مليون ل.س، وصدر ما قيمته 55004 مليون ل.س.
وتتراجع المشاريع الصناعية التي ينفذها القطاع الخاص، فبينما كانت في عام 1992 قد وصلت إلى 2084 مشروعاً، لم تتجاوز في عام 2004 ال695 مشروعاً.
الحكومة .. وعمال القطاع الخاص
لم تلعب الحكومات المتعاقبة طوال العقود الماضية دوراً حاسماً في إنصاف العاملين في القطاع الخاص، ولم تستطع سن أو تطبيق القوانين التي تضمن لهم حقوقهم، ولكنها بالحد الأدنى، وضمن شروط وظروف فرضتها المرحلة التاريخية الممتدة حتى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، استطاعت هذه الحكومات أن تلجم أرباب العمل وتحد من استكبارهم وعجرفتهم، إلا أن هذا الواقع تغير مع مطلع التسعينات حين ظهر إلى العلن التماهي الكبير بين البرجوازيتين البيروقراطية والطفيلية، والذي راح يدفع ثمنه الكادحون سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص، حيث صدرت القوانين والمراسيم المشجعة على الاستثمار..(القانون رقم 10 مثلاً)، والتي انعكست سلباً، عكس مايشاع، على العمال، لتستمر بعدها عملية الشراكة العلنية، والتي أنتجت جملة من التسهيلات اللاقانونية واللاشرعية لأرباب العمل، ولتزيد وتفاقم معاناة العاملين في هذا القطاع، ولعل التوجه الأخير الذي عقدت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل العزم على السير فيه وهو "العقد شريعة المتعاقدين" هو خير دليل على انسحاب الحكومة التام من هذا القطاع لتترك العاملين فيه لمصيرهم تحت رحمة رب العمل الذي لايهمه، غالباً، إلا مصلحته الشخصية بغض النظر عن حقوق العمال، وبغض النظر أيضاً عن المصلحة الوطنية.
أول الرقص... حنجلة
في الشهور القليلة الماضية التي تميزت بعقد الصناعيين لمؤتمرهم الأول، الكثير من ملامح التغيير بدأت بالظهور، فالمؤتمر الذي ركز على ناحيتين أساسيتين، الأولى: هي انتزاع موافقات على إعفاءات كبيرة من الضرائب والرسوم، والحصول على تسهيلات قانونية وعملية لتحقيق أكبر نسبة أرباح ممكنة، والثانية: السعي الجاد والحثيث لتعديل قانون العمل رقم 91 بالشكل الذي يخدم بالصورة المثلى أرباب العمل وتقليص حقوق العمال إلى أدنى حد ممكن، هذا المؤتمر شكل إعلان حرب حقيقية على عمال القطاع الخاص، الذين يعانون أصلاً من تدهور أوضاعهم المعاشية، ويجري بحقهم في المعامل التي يعملون بها الكثير من الظلم والإجحاف وسوء المعاملة.
الغريب في الأمر أن استجابة الحكومة لمطالبهم (الصناعيين) كانت سريعة وفورية وفي أول اجتماع لرئاسة مجلس الوزراء بعيد المؤتمر تقرر الآتي:
1 ـ تعديل قانون العمل رقم 91 وفق مبدأ العقد شريعة المتعاقدين!!
2 ـ تخفيض الاشتراكات التأمينية بما لايتجاوز نسبة 15% توزع إلى 10% حصة رب العمل و 5% يدفعها العامل من أجره؟؟؟
عمال مسحوقون... وآذان صماء!
إن أبرز الحقوق المصادرة من العاملين في القطاع الخاص يمكن إيجازها بما يلي:
1 ـ عدم إبرام عقود العمل وتوثيقها في التأمينات الاجتماعية والنقابية المختصة.
2 ـ حرمان العمال من الإجازات السنوية والأسبوعية والإجازات الأخرى (وفاة ـ مرض ـ زواج ـ مناسبات مختلفة..إلخ).
3 ـ عدم تأمين مستلزمات الصحة والصحة الوقائية والسلامة المهنية.
4 ـ تشغيل العمال بالمهن الخطرة وبأجور زهيدة.
5 ـ حرمان العمال من كافة التعويضات المنصوص عليها بالقانون، وعدم إعطائهم بدل المحروقات.
6 ـ إجبار العمال على توقيع استقالات مسبقة قبل التعاقد معهم.
7 ـ عدم تسجيل العمال في التأمينات الاجتماعية، وعند الاضطرار يتم تسجيلهم بالحد الأدنى للأجر، والامتناع عن تسجيل أكثر من ثلاثة عمال حتى لاتطال المنشآة ضريبة التأمينات.
8 ـ حرمان معظم العمال من الزيادات الدورية للأجور وفي أحسن الحالات التلكؤ بإعطاء الزيادة واجتزاؤها.
إن أكثر من 90% من عمال القطاع الخاص يعملون في ظروف غير مناسبة، وأحياناً غير إنسانية، وهم غير مسجلين في التأمينات، ولايملكون أية حماية أو ضمانات والويل لمن يتجرأ ويشتكي على رب عمله، فغالباً سيكون مصيره الطرد من العمل، أو الاصطدام بمسؤولين صم بكم لايعنيهم شأنه ولا شأن زملائه.. وإذا حدث وقام مفتشو التأمينات بجولات أو "كبسات" على بعض منشآت القطاع الخاص، عندها يلجأ رب العمل إلى تهريب أو إخفاء عماله ومن لايمتثل لطلبه يجد نفسه بلا عمل، وإن هدد العامل رب عمله باللجوء إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أو إلى التأمينات الاجتماعية سيكون رد رب العمل واضحاً ومكروراً منذ سنين.. "روح بلط البحر!!" ولم يحصل إلى الآن، أن طرد عامل من عمله وعاد بجهود المسؤولين إليه!!
الحركة النقابية... الشرفاء فقط!!
لم يتوقف الشرفاء في الحركة النقابية عن الدفاع المستمر والدؤوب عن حقوق العمال في كلا القطاعين، ولكن هذه الجهود والمطالبات المستمرة كانت محكومة تاريخياً بالقرار الحكومي والتوجه الحكومي والسياسات المتغيرة، كما أن المكبلات البيروقراطية التي كانت ولاتزال تعيق متابعة القضايا العمالية، وتخلف القوانين، وعدم جدية البعض، و ترهل البعض الآخر، كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تآكل تدريجي لحقوق العمال في القطاع الخاص، وهذا التآكل المنظم والمستمر مرشح للازدياد أكثر فأكثر خاصة وقد انبرى أكثر من مسؤول ليؤكد متفاخراً: "أيها الصناعيون.. قلمكم أخضر".. فإذا كان الظلم قد فعل فعله بالعمال حين كان رب عملهم صاحب القرار الاقتصادي، فكيف سيصبح حالهم بعد أن أصبح هذا الرب صاحب القرار السياسي أيضاً؟!!
إن هذه المرحلة تتطلب من الحركة النقابية جهوداً أكبر، إذ لم يعد مقبولاً أن تترك الحكومة المتعاطفة وال.... مع أرباب العمل، لتقرر مصير العمال بل يجب أن تتصدى النقابات لمهامها التاريخية وتكافح على جبهتين:
الأولى ضد البرجوازية البيروقراطية الفاسدة في مواقع القرار الاقتصادي ـ الاجتماعي.
والثانية ضد البرجوازية الطفيلية التي تسعى للسيطرة على مقدرات البلاد والعباد.
العمال يتحدثون
في استطلاع بسيط، التقينا بعض العاملين في القطاع الخاص، وسألناهم عن ظروفهم:
- العاملة لما تقول: "أعمل في مطبعة منذ خمس سنوات، وهذه المطبعة موجودة في مركز العاصمة وأنا غير مسجلة بالتأمينات، ولم يزرنا مفتش واحد طوال هذه المدة. راتبي 5 آلاف ليرة سورية، وأعمل تسع ساعات يومياً، ولاأعطل إلا يوم الجمعة وفي العيدين الصغير والكبير.. أحياناً أضطر للغياب بسبب المرض فيحسم من راتبي.. طالبت عدة مرات بزيادة "المعاش" ولكن رب عملي لم يستجب لطلبي، وقال لي بالحرف الواحد: "إذا ماعجبك بطلي"... أنا متمسكة بعملي لأن صاحب العمل أدمي وماعنده حركات."
- العامل أحمد. م يقول: أعمل في معمل برادات، من ماركة مشهورة منذ سنتين، وقد وقعت على استقالتي حين كتبت العقد، وللأمانة رب العمل رجل صاحب حق، لم يحسم إلى الآن ليرة واحدة من راتبي، أحصل على 5500 ل.س شهرياً وأعمل 8 ساعات.
سألنا هذا العامل إذا كان مسجلاً في التأمينات، فقال حرفياً: "شو يعني تأمينات؟"
- العامل شادي. ع قال: أعمل في معمل أدوية منذ ثلاث سنوات، ساعات عملي غير محدودة... أحياناً، حين تكون هناك طلبية مستعجلة أعمل أكثر من 12 ساعة.. راتبي 4500 ل.س، وأحياناً أحصل على مكافأة 200 ل.س وساعات العمل الإضافي لاتحسب لنا بدقة وغالباً مايحسبونها "على كيفهم". زملائي مسجلون بالتأمينات، وأنا موعود بذلك أيضاً..."وعيش يا كديش!!"
- العامل سعيد حسين يقول: أعمل في ورشة خياطة منذ 4 سنوات الورشة تضم أكثر من سبعة عمال بينهم عاملات، وجميعنا غير مسجلين بالتأمينات، نعمل يومياً تسع ساعات عملاً مستمرا ًبدون استراحات اللهم إلا نصف ساعة للغداء، ونقدم يومياً لرب العمل ربحاً صافياً يتجاوز عشرة آلاف ل.س ومع ذلك فهو دائم التذمر والاستياء، في إحدى المرات طالبنا جميعاً بزيادة رواتبنا، فهددنا بأنه يمكن أن يستغني عنا جميعاً إذا لزم الأمر!!
- العاملة هـ. ز تقول: أعمل مستخدمة في مكتب للسياحة والسفر منذ أكثر من سنة... راتبي 3 آلاف ل.س ودوامي طويل ومستمر من ساعة فتح المكتب وحتى ساعة إغلاقه.. أصحاب المكتب يعاملونني معاملة غير لائقة، وفي كثير من الأحيان يسخرون مني ويضحكون علي.. أنا الآن أبحث عن عمل جديد براتب أفضل...
ظروف قاسية... قاسية جداً
في بلادنا التي مازال معظم أرباب العمل فيها يحملون في دواخلهم المزاجية والسيكولوجية الإقطاعية، ويتعاملون مع العاملين لديهم كأرقاء أو مرابعين، في هذه البلاد التي مازالت الطبقة العاملة فيها تناضل للحصول على أبسط الحقوق، يبادر مسؤولوها لتبني فكرة"العقد شريعة المتعاقدين"، فلنتصور إذاً شكل وماهية عقد بالتراضي بين متخم ثري وجشع وبين فقير جائع عاطل عن العمل، إن هذا إن حصل، وهو فعلا ًقيد الحصول، سيعيدنا قرنين إلى الوراء؟؟ وسيبدد نضالات طويلة ومريرة خاضها العمال منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الآن، كل ذلك والبلاد مهددة الآن بعدوان إمبريالي أمريكي ـ صهيوني يهدف إلى إغراق المنطقة بالفوضى وبالنزاعات الأثنية والطائفية والمذهبية.
لقد استطاع أرباب العمل طوال العقود الماضية أن يجبروا العمال على العمل بدون عقود نظامية وأن يقبلوا بالأجور المتدنية كأمر واقع وأن يتحملوا الاتهامات الباطلة وهدر الكرامة والعمل ساعات طويلة دون مقابل وهذا أدى بهم للقبول بحياة ومعيشة متقشفة يملؤها القلق وعدم الاستقرار والخوف من المستقبل، وهو ماانعكس وينعكس سلباً عليهم وعلى أسرهم وعلى المجتمع برمته.
مقترحات... ومطالب مشروعة
إن معظم العمال والنقابيين والمهتمين الذين التقيناهم أجمعوا على المقترحات التالية لرفع الحيف والظلم عن العاملين في القطاع الخاص بمختلف جوانبه:
1 ـ استصدار عقد عمل نموذجي بخمس نسخ يقدم للجهات التالية: صاحب العلاقة ـ رب العمل ـ النقابة المختصة ـ التأمينات الاجتماعية ـ مديرية العمل، والتزام جميع أرباب به.
2 ـ وضع نظام داخلي نموذجي للمنشآت، يعلق في موقع العمل موثق لدى الجهات المعنية.
3 ـ استصدار قرار يمنح بموجبه صلاحية كاملة لنقابات العمال للدخول إلى القطاع الخاص والتعرف وحل مشاكل العاملين فيه.
4 ـ رفع.. بل مضاعفة الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص.
5 ـ وضع القوانين التي تلزم أرباب العمل بتأمين الشروط الصحية والسلامة المهنية للعاملين لديهم موضع التنفيذ.
6 ـ البدء الفوري بإيقاف كل أشكال التجاوزات التي يمارسها أرباب العمل ضد العمال مثل تشغيلهم ساعات طويلة بدون أجر، الحرمان من الإجازات، توجيه الإهانات والاتهامات..إلخ.
لقد آن الأوان لوقف كل أشكال الظلم والتعالي والإجحاف الذي تمارسه الشرائح المتخمة ضد الطبقة العاملة فقد "بلغ السيل الزبى" ولم يعد الاقتصاد الوطني ولاجمهور المهمشين الذين لاصوت لهم على استعداد لتحمل المزيد.
■ جهاد أسعد محمد
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.