بيان لجنة تنسيق النقابات العمالية..استبدال هيمنة بهيمنة أخرى
فرضت الحركة الاحتجاجية الشعبية، بما طرحته من مطالب وحقوق مشروعة، نفسها على الشارع بالمعنى العام، وأصابت بآثارها الإيجابية الكثير من المواقع التي كان يظن البعض أنها محصَّنة، فخلقت داخلها جدلاً وحواراً عميقين جرى من خلالهما طرح الكثير من القضايا التي كانت تعتبر غير قابلة للنقاش أو التعاطي فيها، فأصبحت الآن مدار نقاش وبحث وعمل، وربما استبدال.
في هذا الإطار طرحت (هيئة التنسيق الوطنية) التي أُعلِن عنها مؤخراً وانبثقت عنها لجنة تنسيق النقابات العمالية، بياناً عمالياً صادراً باسم اللجنة، وجاء فيه مجموعة من القضايا التي تهم الحركة النقابية والعمالية، بحسب وجهة النظر المطروحة في البيان.
بداية نحن نرحب بأي حوار أو موقف يطرح قضية الطبقة العاملة وحركتها النقابية، من داخلها أو من خارجها، يكون الأساس فيه الحفاظ على وحدة الحركة النقابية ووحدة الطبقة العاملة، ورفض أي عمل أو سعي لطرح بدائل موازية يكون الهدف منها شقَّ الحركة النقابية وإضعاف دورها الأساسي في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة وحقوقها السياسية والاقتصادية، حيث يتطلب تفعيل هذا الدور الحرص عليها موحدة، والنضال من داخلها من أجل تطوير أدواتها وخطابها ورؤيتها النقابية، التي نؤكد دائماً عليها من أجل أن تخرج الحركة النقابية من استعصائها الذي وُضعت فيه عنوة، وأن تكسر القيود التي كبلتها وجعلت حراكها مرهوناً لمن هم خارجها، والذي أفقدها استقلاليتها التي قاتل من أجلها آلاف العمال والنقابيين منذ تأسيسها، فكانت الأداة الفعالة في مواجهة قوى رأس المال وتعبيراتها السياسية المتمثلة بالأحزاب البرجوازية التي سعت لاحتواء هذه الحركة، وتفصيل دورها على المقاس الذي لا تتضرر به مصالحها في الاستيلاء على جهد العمال وتعبهم، ورمي الفتات لهم.
إن الوضع الحالي لا يختلف كثيراً عما كان سابقاً، من حيث احتواء الحركة النقابية وتأطيرها ضمن مسارات محددة جعلتها فاقدة لاستقلاليتها ولدورها الواجب عليها القيام به وفقاً لمصالح من تمثلهم وتدافع عنهم، فجرى تكبيلها وإجبارها على تبني شعارات تبين فيما بعد أنها أعاقت دورَها وأضعفت قدرتها على تحديد الموقف الحازم مما يجري تطبيقه من سياسات ليبرالية لعبت الدور الأساسي في إفقار الطبقة العاملة وتدني مستوى معيشتها.
إن تبني شعار النقابية السياسية منذ عام 1972 لعب الدور الأساسي فيما وصلت إليه من تراجع في دور الحركة، فعندما يمنع عن النقابات حق الإضراب ولا يتم الإقرار به كأحد أبرز حقوقها وأساليب دفاعها عن حقوقها فهذا يعني أنها غير قادرة على الدفاع عمن تمثلهم وعن حقوقهم المستلَبة من قوى السوق التي تملك كامل الحرية في إقرار ما تراه متوافقاً مع مصالحها في النهب والفساد، بينما قوة العمل وممثلها التنظيمي (النقابات) بقيت مقيدة بآلاف القيود التي تعيق إمكانية الرد والدفاع عن حقوقها ومطالبها.
هذا وقد طالب البيان بأن تكون هناك ضمانات مستقبلية للحركة النقابية من خلال الحريات النقابية الكاملة، ومنها انتخابات شرعية ورسمية غير مهيمَن عليها من أية جهة كانت، ومن أجل ذلك حدد البيان الجهة الضامنة لهذه الحريات فأخطأ خطأ فادحاً، حيث قال: «ولذلك نطالب أن تكون تبعية منظمتنا النقابية إلى منظمة العمل الدولية، لتستطيع حماية حقوقها وتضمن حرية التعبير عن رأيها ومطالبها، والتظاهر ضد كل أشكال الممارسات التي تنال من مصالحها كطبقة واسعة ممتدة في جميع أرجاء الوطن».
فبهذا يكون من سعى إلى هذا البيان قد نقل الطبقة العاملة وحركتها النقابية (من تحت الدلف إلى تحت المزراب)، أي نقلها من شكل للهيمنة إلى شكل آخر أكثر خطورة بما تمثله منظمة العمل الدولية وما تحتويه من اتحادات نقابية معادية لمصالح الطبقة العاملة ومنها حريتها النقابية، التي نادى ويسعى البيان من أجلها.
فمنظمة العمل الدولية قوامها من (أرباب العمل والحكومات ونقابات العمال)، وهي لا تملك حق أن تضمن لأحد حريته طالما هي فاقدة لحريتها بهيمنة الحكومات وأرباب العمل والاتحادات النقابية المرتبطة بها، فكيف ستضمن هذه القوى حرية حركتنا النقابية الوطنية في نضالها من أجل حقوق العمال السوريين؟.
إن من يضمن حقوق العمال هم العمال أنفسهم، بوحدتهم التنظيمية المستقلة وبأدواتهم الكفاحية التي لا تساوم فيها على الحقوق، وليس بتبعيتهم لأية جهة كانت.
لقد ناضل العمال السوريون كثيراً، ومازالوا، ولم تكن منظمتهم تابعة لأحد، واستطاعوا انتزاع الكثير من الحقوق والتشريعات، والآن سيتابع العمال نضالهم من أجل تعزيز وحدتهم وتصليب إرادتهم في استعادة ما سُلِب منهم، وذلك بالنضال من أجل إعادة توزيع الثروة والأرباح لمصلحة العمال والفقراء، وهذه التي لم يشر إليها البيان، مع أنها الأساس في نضال الطبقة العاملة من أجل تحسين مستوى معيشتها وحصولها على نصيبها العادل مما تنتج، وعلى حقوقها السياسية والنقابية.