شركة الفرات للجرارات... الضحية القادمة لوزارة الصناعة

يمكن القول إن وصفة الإصلاحات الليبرالية التي استغلها البعض في قطاعاتنا المختلفة يجري تنفيذها الآن على قدم وساق، وكما يشتهي منفذو وأصحاب هذا المنهج، وخاصة تلك التي تضمنت خصخصة المؤسسات العامة وفق الاستثمارات الحكومية في الصناعة التحويلية والزراعة وبعض القطاعات الأخرى، وذلك تحت حجج واهية أقل ما يقال عنها إنها تبرر الخسارة التي كانت بفعل هؤلاء أنفسهم.

والحجة الحاضرة وهي الخسارات المتتالية في القطاع العام الاقتصادي تفتح المجال للقطاع الخاص ليحتل مركز الصدارة في عمليات الاستثمار والتشغيل والتنمية، تحت مسميات عدة أهمها «التشاركية».

فبعد الصدمة القوية التي تلقتها الطبقة العاملة من قرار وزارة الصناعة بإغلاق /17/ شركة صناعية، دخلت شركة الفرات لصناعة الجرارات إلى النفق المظلم، نفق إصلاح القطاع العام الصناعي الذي لم ير النور بعد، والأسباب دائماً هي نفسها التي تتكرر في كل مرة: نقص السيولة التي أصبحت الشماعة أو الوصفة الجاهزة لتبرير العجز الحكومي في قضية إصلاح هذا القطاع.

 

عمق المشكلة

من خلال مجموعة المذكرات التي تم رفعها، فإن الحقائق تؤكد أن السبب الرئيسي لما وصلت إليه هذه الشركة لم يختلف شيئاً عن الأسباب لدى إخوتها من الشركات في القطاعات الأخرى، فاللجنة النقابية في شركة الفرات لصناعة الجرارات أكدت على أن الشركة تعاني من مشكلة حقيقية جراء نقص السيولة المطلوبة لإعادة عمليات استجرار مستلزمات الإنتاج في الوقت المناسب، مما أوقع الشركة في ورطة من حيث إمكاناتها المادية التي أثرت على التزاماتها تجاه حقوق العمال، حيث انعكس ذلك سلباً على قدرة الشركة على دفع الرواتب والأجور للعمال بشكل منتظم،  وتسديد مستحقات كل المشافي التي تتعامل معها الشركة صحياً  (مشفى شيمان، مشفى الرازي، نقابة الصيادلة، نقابة الإسكان، مكتب النقابة، صندوق التكافل الاجتماعي، الوصفات الطبية، إضافة لبعض المصارف).

وبناءً على هذا العجز فقد أوقفت جميع هذه الجهات التعامل مع الشركة نتيجة التراكم المالي لها في ذمة الشركة، ولم تعد تستقبل العمال المرضى لمعالجتهم، مما خلق حالة إرباك جديدة للعمال واللجنة النقابية، وحتى الإدارة، خاصة في ظل وجود أمراض مزمنة وبحاجة إلى أدوية مستمرة وعلاج دائم يتطلب مبالغ كبيرة ليس باستطاعة أي عامل تأمينها، كأمراض القلب، السكر وأمراض الكلية... الخ.

 

الحق حق مهما اختلفت التسمية

الأزمة المالية التي مرت على الشركة في الفترة الأخيرة كان لها أكثر من تأثير سلبي على معيشة العاملين فيها، وخاصة ما بين الشهر التاسع والعاشر حيث تكثر المطالب المنزلية ويزداد معها ضغط المناسبات الاجتماعية مثل شهر رمضان، افتتاح المدارس وتحضير المونة، الأمر الذي خلق حالة من التوتر لدى العمال الذين تعودوا طوال سنوات الخدمة على استلام رواتبهم في الأول من كل شهر، إذ كان هذا السبب كافياً لدفع بعض العمال للقيام بتجمعات بسيطة في الشركة للمطالبة بحل مشاكلهم المالية بأسرع وقت ممكن، نظراً لصعوبة الظروف المعيشية، دون النظر إلى المسببات التي وصلت بها إلى تلك النتائج، وهذا يسجل نقطة بيضاء للعاملين في الشركة لمطالبتهم بحقوقهم عن طريق الاحتجاج السلمي، فعمال الشركة الذين يقارب عددهم /1200/ عامل رفضوا كلياً الواقع الحالي الذي تمر به شركتهم من خلال الاحتجاجات التي قاموا بها، ولعل تحرك العمال واللجان النقابية بهذه الشركة كان له ضروراته خوفاً من أن يحصل معهم ما حصل مع باقي شركات القطاع العام الصناعي التي بقيت حبراً على ورق في دروج الجهات المختصة.

 

النقابات تتحرك... ولكن دون نتيجة!

اللجنة النقابية في شركة الفرات لصناعة الجرارات وضعت اتحاد عمال محافظة حلب بالصورة فوراً من خلال مذكرة رسمية رفعها رئيس اللجنة النقابية... وبدوره رفع رئيس اتحاد عمال محافظة حلب حسين العلي كتاباً إلى الاتحاد العام لنقابات العمال تحت رقم /3494/ تاريخ 28/9/2009 مرفقاً معه صورة عن كتاب نقابة عمال الصناعات المعدنية والكهربائية بحلب رقم /385/ تاريخ 10/9/2009، المرفق بكتاب اللجنة النقابية في شركة الفرات لصناعة الجرارات الذي يبين فيه معاناة الشركة من نقص السيولة المالية، ويطلب في حاشية الكتاب ما يلي: «على ضوء ما توصلت إليه أوضاع الشركة نقترح تشكيل لجنة من ممثل عن وزارة الصناعة وممثل عن الشركة وممثل عن التنظيم النقابي لبحث الصعوبات التي تعترض مسيرة الإنتاج في الشركة، وترفع مقترحاتها إلى الجهات المعنية لتذليل تلك الصعوبات، والعمل من أجل الحفاظ على منجزات الشركة، والدور الذي قامت به في عملية تطوير الإنتاج الزراعي».

 

الحذر ثم الحذر

من الضرورة إبراز كل المطالب التي طالب بها العمال وأعضاء اللجان النقابية في كل موقع إنتاجي، ولا بد من التأكيد على ضرورة تأمين مستحقات العمال في الشركة كاملةً ووضع حد للأزمة المالية، لكن في الوقت ذاته لابد  للنقابات أن تأخذ العبرة من الدروس السابقة، فاللجان والاجتماعات والجلسات واللقاءات التي عقدت سابقاً من أجل إنقاذ هذا القطاع الحيوي، ومن ثم إطلاق شعار «إصلاح القطاع العام الصناعي» لم تكن سوى دراسات ومقترحات تحذيرية ذهبت كلها أدراج الرياح، ومن ثم تأتي التبريرات الحكومية بتبرير الجريمة وتسميتها «برصاصة الرحمة».

إن ما يخطط لهذه الشركات يتطلب قوة حقيقية وفاعلة للتصدي لكل ما تم أقراره تحت حجج واهية، فهل سيلعب الاتحاد العام لنقابات العمال هذا الدور؟