عمال الورش الصغيرة.. حرمان ومشقة وبلا قانون؟!
تكثر في المناطق الريفية وفي العشوائيات العديد من الورش والمعامل والمصانع الصغيرة، التي يصل عددها لعشرات الآلاف، والتي تُشغل عمالة يصل حجمها حوالي 60 % من حجم القوى العاملة بالقطاع الخاص.
ورغم حجم هذه القوى إلا أنها تُعد عمالة غير منظمة قانوناً، حيث استثناهم قانون العمل رقم 17 صراحة من مواده، في المادة الخامسة منه, ولا يوجد قانون آخر أو أي إطار قانوني آخر يضمن لهؤلاء حقوقهم، وينظم علاقاتهم برب العمل.
آلات وعبيد
وهؤلاء ليسوا مسجلين بالتأمينات الاجتماعية، التي تعتبر من أبسط الحقوق التي من الممكن منحها للعامل لحمايته من إصابة العمل (مع العلم أن أكبر نسبة إصابات تحصل بينهم), وهم بالنسبة لرب العمل لا يختلفون بشي عن الآلات، فليس لهم أوقاتاً للراحة ويعملون برواتب زهيدة ولأوقات طويلة، وليس لهم الحق في أية إجازات أو تعويضات أو غيرها، ولا يتمتعون بأية حماية اجتماعية، إنما متروكون لمزاج صاحب العمل وكرمه، الذي قد يتكرم عليهم بـ «عيدية» زهيدة أوقات الأعياد.
عمل هؤلاء اقرب إلى العبودية منه إلى العمل، حيث لا مستقبل ولا تأمين ولا حماية قانونية ولا تطبيقاً لنظام السلامة المهنية والصحية ولا تعويضات، سوى ما يصدر من كرم (عن الحجي صاحب المنشأة).
أماكن العمل مخفية كأنها سجون
أماكن عمل هؤلاء أغلبها مخبأ أو مخفي، يصعب الوصول إليها لأنها مخبأة بين المنازل، ومن الصعب اكتشافها وأبوابها مقفلة ومراقبة بالكاميرات، وتعد أماكن العمل كالسجن تماماً، حيث يمنع خروج أي عامل أو تحدثه مع أحد، حيث يطرد من العمل مباشرة, وللتهرب من دفع الضرائب أيضاً, ولن يجرؤ أحد للدخول إلى هذه الورش بسبب ما قد يتعرض له من أذى أو ضرب أحياناً, والعمال بسطاء جداً لا يعرفون شيئاً عن حقوقهم، بل كل ما يدركونه هو إرضاء صاحب العمل الذي قد يقضون أعمارهم في العمل عنده وبشروطه، خوفاً من طردهم، رغم ما يعانونه من بؤس وحياة تعيسة.
فرصة استغلال للمصانع الكبرى
حالة الاستغلال والعبودية التي يتعرض لها العمال، وتهرب أصحاب العمل من الضرائب، راقت لأصحاب المصانع والشركات الكبرى، التي تحولت إلى مجرد مراكز تجارية لتوزيع أعمالها والمواد الخام على هذه المشاغل، حيث تحولت هذه الأخيرة إلى مُكمل للمصانع والشركات الكبرى، حيث ينحصر عملها في إنجاز مرحلة معينة من مراحل التصنيع (كما في ورش الخياطة مثلاً) ووجدتها فرصة لخفض تكاليف إنتاجها وزيادة أرباحها على حساب العمال، حيث تخلصت هي أيضا من الضرائب ومن عمالها وأجورهم.
بيئة قانونية بمواجهة رب العمل ضرورة
تسليط الضوء على أحوال هؤلاء العمال المغمورين، والدفاع عن مصالحهم، يتم عبر إعطائهم حقوقهم، وذلك عبر تأمين البيئة القانونية لحماية هؤلاء وتمكينهم من الوقوف في مواجهة عبودية رب العمل لهم، من خلال تعديل قانون العمل الحالي بما يتوافق والدستور السوري الجديد، وتشميلهم به، ومن خلال النص على حق الإضراب وإلغاء حق التسريح التعسفي، وربط الأجور بالأسعار, وتنسيبهم للنقابات وتثقيفهم لتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم.