الإصلاح الجذري والشامل مطلب الطبقة العاملة
يجري في البلاد هذه الأيام حراك سياسي واجتماعي غير مسبوق من حيث العمق والاتساع، أثر تأثيراً مباشراً على قطاعات واسعة من الشعب السوري في السلوك والتفكير والتوجهات، ونقل الصراع السياسي والاجتماعي إلى الشارع بعد أن كان حكراً على النخب السياسية، التي كانت معزولة تماماً عن الشارع لعقود طويلة، بفعل غياب الحريات العامة التي كبلتها القوانين والإجراءات الاستثنائية التي عطلت الحياة السياسية، وقطعت الصلة ما بين القوى والأحزاب، التي من المفترض أنها تعبر سياسياً واقتصادياً عن الطبقات في المجتمع السوري، وما بين شرائح واسعة من الشعب، حتى أصبح هناك فراغ وهوة واسعان بين تلك الأحزاب والقوى والجماهير.
أي أن هناك جماهير واسعة لها مطالب مشروعة تراكمت خلال عقود من الزمن، ولا يوجد من يعبر عنها سياسياً، بالمعنى الواسع لهذه المطالب، لذا تفاجأ الكثير من القوى بهذا الحراك، وارتبكت مواقفها ما جعلها تنتج مواقف متناقضة، تارة ذات الشمال وأخرى ذات اليمين، وبرز العديد من القوى الكامنة في المجتمع والتي لها صلة بالحراك الشعبي بهذا الشكل أو ذاك، وأكدت مواقفها على أهمية أن يبقى الحراك سلمياً، وعلى ضرورة التغيير الديمقراطي المستند إلى تعديل أو تغيير الدستور، وضرورة إيجاد قانون انتخابات يؤمن وصول من يعبِّرون حقيقةً عن مصالح الشعب السوري، وقانون مطبوعات يؤمن حرية الرأي والصحافة بالتعبير عن مطالب الناس المشروعة، ولكن في زحمة هذه المطالب العامة جرى القفز عن أهم قضيتين لهما صلة مباشرة في الحفاظ على الوحدة الوطنية وتعزيزها وتصليبها، وهما مفتاح الحل لمعظم ما يعاني منه الشعب السوري، أولهما قضية الفساد الكبير الذي لا يقل خطره ونتائج أعماله عن أي عدوان خارجي يريد أن يفتت سورية أرضاً وشعباً، وهنا تكمن أهمية مواجهته وضربه واجتثاثه من جذوره. والثانية: القضية الوطنية المرتبطة مباشرة بالموقف من العدو الإمبريالي الصهيوني، ومن كل من يقترب من هذا العدو طالباً العون والمساعدة بالعدوان على وطننا، والمراهنة على الدعم الخارجي للتغيير الداخلي، والجانب الآخر من القضية الوطنية هو تحرير الأراضي المحتلة، وخاصة الجولان، الذي سيعمل على إعادة صهر الشعب السوري في بوتقته ليخرج بوحدة وطنية لا يمكن اختراقها مهما حاول الأعداء ومهما عملوا على تفتيتها.
إن الاقتصار على طرح القضايا السياسية وإهمال القضايا الاقتصادية الاجتماعية المرتبطة مباشرة بحياة أغلبية الشعب السوري، يعني توجيه هذا الحراك باتجاهات أخرى غير مأمونة، ولا تحقق ما قام من أجله هذا الحراك من مطالب اقتصادية كان لغيابها دور أساسي في إفقار الشعب السوري حتى وصلت نسبة الفقر في سورية إلى %40 من تعداده، فالقول إن الشعب السوري قام بحراكه من أجل حريته فقط كلام لا يتوافق مع الواقع، فالشعب السوري يريد أن يكون كريماً في لقمته وكلمته، وهذا يكون بإعادة توزيع الثروة، ليس فيما بين الناهبين أنفسهم، بل بين الناهبين والفقراء، وهذا مدخل لأية إصلاحات جذرية يجري طرحها وتداولها في خضم الصراع الدائر، المعبَّر عنه بمواقف الكتل السياسية السابقة أو الناشئة حديثاً.
اللافت للنظر فيما يجري من غياب صوت الحركة النقابية كقوة أساسية من القوى الاجتماعية المفترض أن يكون لها موقف واضح من حقوق الطبقة العاملة، وما أكثرها، وهي التي عانت كثيراً من ضعف أجورها وتدني مستوى معيشتها بسبب السياسات الاقتصادية الليبرالية التي جرى تبنيها منذ عقدين من الزمن، والتي لم تستطع الحركة النقابية التصدي لها ومواجهتها ومواجهة نتائجها الكارثية على الطبقة العاملة، وأهمها تخريب القطاع العام الصناعي والزراعي، وإقرار قانون العمل الجديد رقم 17 الذي يحصد نتائجه الآن العمال في القطاع الخاص، حيث يجري التسريح التعسفي على قدم وساق للعمال تحت حجة الأزمة الاقتصادية، وهذا يجري تحت أنظار قيادة الحركة النقابية والسياسية دون أن يُتَّخذ أي إجراء جدي لوقف هذا النزيف الخطير بنتائجه الاجتماعية والسياسية، ولا ندري ما هو المبرر الذي يجعل قيادة الحركة النقابية تقف على الحياد دون أن تقدم أية حلول واقعية تحمي فيها العمال من التسريح، وتبقي على الصناعة الوطنية تعمل دون توقف!
الحركة النقابية لابد أن يكون لها صوتٌ عالٍ في الحوار الدائر، ومساهمتها فيه يعني إيصال صوت الطبقة العاملة وحقوقها لتكون على طاولة المتحاورين في مختلف اللجان الحوارية، حيث يستعبد فيها التنظيم النقابي من المشاركة بها بفاعلية تعبر عن مصالح العمال، وعن موقع وتأثير الطبقة العاملة السورية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
إن تخلف الدور الفاعل للنقابات في الصراع الدائر، وابتعادها عن المشاركة يطرح تساؤلات كثيرة لدى الطبقة العاملة عن جدوى الحوار الدائر الآن، للوصول إلى إصلاحات شاملة وجذرية، وأهم تلك التساؤلات: هل سيجري بحث إعادة توزيع الثروة بين الفقراء والأغنياء، بحيث سيؤدي ذلك إلى الإقرار بحقوق العمال وبنصيبهم العادل من الثروة وسيحقق كرامتهم، وإذا لم يقر توزيع الثروة مرة أخرى فإن العمال سيجدون الطرق والوسائل الكفيلة التي تؤمن حقوقهم، وهم قادرون على ذلك، فالحركة النقابية وقيادتها تتحمل مسؤوليتها التاريخية أمام الطبقة العاملة السورية في الدفاع عن مصالح وحقوق العمال السياسية والاقتصادية، وإن دفن الرأس في التراب سيكون ضاراً بمصالح العمال وحقوقهم.