مصلحة بـ2400 ليرة!
هل أصبحت عمالة الأطفال واقعاً لا مفر منه أمام جيل كامل قد همش وأفقر لأبعد المستويات، أم مازال هناك من يعمل لإيقاف هذه الأعمال الخطرة على أطفالنا؟.
في وسط العاصمة دمشق، وعلى بعد ٥٠٠ متر تقريباً من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، يقع زقاق الجن وهو تجمع صناعي لتصليح السيارات، ويجاوره تجمع «الحلبوني.
عشرات الأطفال دون الخامسة عشرة
في هذه التجمعات يعمل عشرات الأطفال، من الذين لم يتجاوزوا سن الخامسة عشرة، في أعمال مضنية ولا تكاد تميز ملامحهم من جراء تراكم شحم وزيوت السيارات على اجسادهم وملابسهم، هؤلاء الأطفال يعملون لساعات عمل طويله تحت أشعة الشمس والأمطار، وفي وضع اجتماعي غير صالح لتواجدهم فيه، وهم مازالوا في مقتبل أعمارهم.
عند مروري من زقاق الجن لفت نظري طفل، عمره عشرة أعوام بالضبط، يعمل في محل تصليح إطارات السيارات «كومجي» وكان منهمكا في تنظف إطار سيارة وبداخله «الجنط»، أي أن وزن الإطار و«الجنط» يساوي وزن الطفل، اقتربت منه وسألته عن عمره؛ فقال عشرة أعوام، قلت له ألست صغيراً على هذا العمل؟ فكان رده «بدنا نشتغل لنعيش!».
يوجد في هذا التجمع وغيره الكثير ممن في عمره ويعانون أيضاً الظروف نفسها ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ألا تستطيع وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة العمل والمؤسسة العامة للتأمينات الوصول إلى هذه الأماكن والاطلاع على أوضاع هؤلاء الأطفال ووضع حد لاستغلال طفولتهم وعوزهم، وتحديد العمر المناسب للعمل بهكذا أعمال؟ لأن أصحاب هذه الورش يعلمون جيداً بأن هذه الطفل يقبل بـ ٢٠٠٠ ليرة أجراً أسبوعياً ومن هم أكبر منه عمراً سوف يطالبون بأجر أعلى من هذا وقد يصل بحسب ما يتقاضاه العمال في هذه التجمعات إلى أربعة آلاف ليرة أسبوعيا أي الضعف، فلذلك هم يختارون الأطفال لقلة أجرهم، ناهيك أن كل من يعمل بهذه التجمعات غير مسجل بالتأمينات الاجتماعية على الرغم من خطورة أعمالهم من الناحية الصحية، فهم بشكل دائم يتعرضون لمواد صناعية يكون لها آثار على صحتهم ولا يوجد وسائل للحماية المهنية، وعلى الرغم من سيادة المعاملة الأبوية بين صاحب العمل والأجير في هذه التجمعات ولكن عند إصابة العامل بأية إصابة عمل يتحمل لوحدة تكاليف العلاج وإن حصل له أي عطب يرمى في المنزل ليواجه مصيره فرداً.
أين يصرف الأجر الهزيل
الكارثة أن هذا الطفل يتقاضى أجراً أسبوعياً قدره ألفي ليرة سورية مقابل ثماني ساعات عمل يومياً أي ثمانية آلاف ليرة سورية في الشهر، تقريباً أربعة دولارات في الأسبوع و 16 دولار في الشهر ويتناول وجبة طعام واحدة في اليوم وهي محصورة فقط بسندويشة فلافل أو مقالي من السوق وغالباً ما يتجاوز سعرها 100 ليرة فهو بحاجة اسبوعياً لـ 600 ليرة وفي الشهر 2400 ثمن طعام ويذهب قسم من الأجر أيضاً ثمن مواصلات 100 ليرة يومياً ذهاب وإياب أي 600 ليرة أسبوعياً وفي الشهر 2400 ليرة، واذا أشتهى هذا الطفل أن يتناول كيسين شيبس في الأسبوع فهو بحاجة لـ 800 ليرة بالشهر، أي هو بحاجة في الشهر لـ 5600 ليرة في الحد الأدنى ويتبقى من مرتبه 2400 لم ندخلها في الحساب لأننا حسبنا بعض الحاجات فقط، فهو بحسب الكلمة الدارجة يتعلم مصلحة بـ 2400 ليرة سورية في الشهر.
خرق لقانون العمل
إن ما يجري في زقاق الجن وغيرها من أماكن العمل التي يتم فيها تشغيل الأحداث خرق مباشر للقوانين ذات الصلة والاتفاقيات الدولية كلها. إن هذا الشكل من تشغيل الأحداث هو خرق لقانون العمل رقم 17 وتعليلاته فقد جاء في المادة 113 الفقرة أ: منه «يمنع تشغيل الأحداث من الذكور والإناث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي أو إتمام سن الخامسة عشرة من عمرهم »وهذا خرق لاتفاقية حقوق الطفل الدولية لعام 1989 التي وقعت عليها سورية عام 1993 فقد جاء في المادة 32 الفقرة الأولى: «تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراً أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضاراً بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي»
وجاء في الفقرة الثانية منها: «تتخذ الدول الأطراف التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل تنفيذ هذه المادة. ولهذا الغرض، ومع مراعاة أحكام الصكوك الدولية الأخرى ذات الصلة»