بصراحة حقوق الأطراف الثلاثة (الحكومات، أرباب العمل، العمال) بين الواقع، والتنظير!!
في المؤتمر السادس والتسعين لمنظمة العمل الدولية، الذي عقد في جنيف مؤخراً، وحضره مندوبون عن الأطراف الثلاثة (الحكومات، أرباب العمل، العمال)، لنقاش واقع العمل على الصعيد الكوني حيث كانت النقاط الأساسية لهذا العام (المساواة في فرص العمل وعدم التمييز).
وفي هذا السياق قدمت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل كلمة الحكومة السورية، وباعتبارها رئيسة للوفد السوري، فقد أشارت إلى مجموعة من النقاط حيث قالت:
(تحاول أن تخرج المنظمة بمعايير تضمن توازن المصالح بين الأطراف الثلاثة) تضمن أن تكون الإنتاجية عالية المستوى في الوقت نفسه تكون حقوق العمال مصونة أي لا تكون على حساب ساعات العمل، أو على حساب الجهد العضلي أو الجهد الفكري للعامل).
إن السيدة الوزيرة تستطيع أن تقول ما تشاء في هذه المحافل الدولية عن واقع العمل والعمال، والحقوق والواجبات، وهي قادرة على تنميق كلماتها بالطريقة والشكل المناسبين لتجميل ما تريد تجميله، ولكن لا يمكنها أن تغطي الشمس بغربالها، أي لا يمكنها أن تحجب الحقيقة التي تقول فيها عن التوازن بين مصالح الأطراف الثلاثة، قد يكون هناك توازن بين مصالح طرفين (الحكومة، أرباب العمل)، أما الطرف الثالث (العمال)، فالوقائع تدحض كل ما يقال عن حقوق العمال المصانة وفقاً لمعايير منظمة العمل، التي من ضمنها ساعات العمل، الأجور، الصحة والسلامة المهنية، التأمينات الاجتماعية، الطبابة، الإجازات، دور الحضانة، المساواة في الأجور بين العامل والعاملة، حق الإضراب والاعتصام، حق العمال في الانتساب إلى النقابات، حرية انتخاب ممثلي العمال دون وصاية وضغوط، والقائمة تطول بهذا الخصوص، ويمكن للسيدة الوزيرة وهي صاحبة العلم بهذه الأشياء، أن تقوم بزيارة إلى منشآت القطاع الخاص (النسيجية، الكيميائية...الخ) لتلمس واقع الأجور المتدنية (وهي التي أقرت الحد الأدنى للأجور بـ4805ل.س)، الذي لا يمكن بهكذا أجر تحقيق الحد الأدنى من متطلبات الحياة الأسرية اليومية، بسبب الغلاء الفاحش، وأجور السكن المرتفعة، والطبابة، والتعليم).
ويمكن أن تشاهد وتراقب ساعات العمل (الـ12)، التي يجبر العمال عليها وهي مخالفة لنص المادة /114) من قانون العمل (91) التي تتضمن (لا يجوز تشغيل العامل تشغيلاً فعلياً لأكثر من ثمان ساعات في اليوم الواحد أو 48 ساعة في الأسبوع ولا تدخل فيها الفترات المخصصة لتناول الطعام والراحة)، وحتى يضمن أرباب العمل أرباحاً أعلى بتكاليف أقل يجري تقسيم العمل إلى ورديتين في المعامل التي تحتاج إلى ثلاث ورديات ليعمل العمال وفق هذا (12 ساعة عمل متواصلة).
ـ الصحة والسلامة المهنية فحدث ولا حرج حيث يعيش العمال ظروفاً غير إنسانية في الكثير من المعامل بسبب وجود المعامل في أقبية أو في هنغارات صفيح أو أبنية غير صحية.
ـ التأمينات الاجتماعية التي يتهرب أرباب العمل من تسجيل عمالهم بأجورهم الحقيقية حيث يعتبرونها تكاليفاً إضافية لا داعي لها، وبالتالي تضيع عن العمال حقوقهم في مجال الإصابات بالعمل، أو الاستقالة، أو التقاعد...الخ من الحقوق التأمينية.
ـ حق الإضراب والاعتصام الذي نصت عليه كل المعاهدات التي وقعت عليها سورية والمحروم منه العمال وفقاً لقوانين العمل السورية والأحكام العرفية وقانون الطوارئ.
والسؤال المطروح: كيف سيحقق العمال توازن مصالحهم مع الأطراف الأخرى وهم مقيدون بالقوانين والأنظمة المانعة لذلك؟؟ بينما الأطراف الأخرى لها كامل الحرية وفقاً للقوانين والأنظمة بأن يفرضوا شروطهم.
إن عملية التوازن بين المصالح تحتاج إلى شروط وحقوق متماثلة لجميع الأطراف، وهذا ليس متوفراً، خاصة وإن نقابات العمال لم تستطع الوصول إلى الغالبية العظمى من العمال (قطاع خاص)، وبالتالي فقدرتها في الدفاع عن مصالح العمال ليست كما يجب، وهذا يجعل أرباب العمل يستفردون بالعمال كما يتطلبها سوق العمل، وتتطلبها مصالحهم.
إن الحل المفترض من أجل توازن مصالح الأطراف الثلاثة أن تتماثل الشروط للأطراف جميعاً، وهذا ما لا نعتقد تحققه الآن لاختلال موازين القوى لصالح قوى الرأسمال، مدعوين بالقوانين والتشريعات الحكومية، ويبقى الحل النهائي من أجل تحقيق ذلك التوازن المنشود، عند الطبقة العاملة السورية، بقدرتها على تحقيق توازنها الخاص دفاعاً عن حقوقها ومكاسبها وكرامتها.
■ عادل ياسين
adel @kassioun.org