خالد الشرع خالد الشرع

من دروس إضرابات المحلة.. مواجهة الفساد الداخلي وسياسات الليبرالية الجديدة

جاءت إضرابات عمال المحلة في مصر، لتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الطبقة العاملة المنظمة قادرة على القيام بدورها والدفاع عن مصالحها وعن مصالح الشعب، وأعتقد أن أول درس مستفاد من هذه الإضرابات هو أن العمال يعون أن رابطاً واحداً يجمع بين مصالحهم كطبقة وبين مصالح وطنهم وشعبهم بشكل عام.

ولعل أهم استنتاج استطاعت الطبقة العاملة المصرية استخلاصه من تجربتها، هو أن الخصخصة هي أكبر كارثة حصلت في تاريخ مصر لأنها أدت إلى تشريد ملايين العمال. ففي النصف الأول من عام 2007 تم تسريح 75 ألف عامل، وحصلت 26 حالة انتحار احتجاجاً على الوضع المعاشي، وترافق كل ذلك بزيادة عدد العاطلين عن العمل.

هذا كله بسبب غياب دور الدولة الفعال عن العملية الإنتاجية كشرط أساس من شروط الالتحاق بالاقتصاد الليبرالي، ليصبح دور الدولة عبارة عن شاهد زور على الوضع الاقتصادي، والترويج والسيطرة على وسائل الإعلام لإطعام الناس وجبات من الكذب حول النمو وتحسين الوضع المعاشي لهم.

إن أهم ما طرحه المضربون هو مطالبتهم وإصرارهم على تحسين أوضاعهم التي ساءت كثيراً بسبب غياب دور الدولة عن العملية الإنتاجية، والذي أدى إلى انخفاض مناسيب الأجور من الدخل القومي من 49% إلى 28%، إلى جانب سلوك الدولة المتجه إلى تخسير المصانع الوطنية وبيعها بتراب الأموال، وأنبل مهمة أداها هذا الإضراب هي قيامه بمواجهة الغزو الأجنبي المغطى من الحكومة بالتشريعات والتسهيلات للمستثمرين الأجانب، وتخفيف الضغط عن الطبقة العاملة، وفضح الفساد في إدارات الشركات والمصانع والمؤسسات..

ويبقى أغرب ما رافق هذه الإضرابات من ملاحظات هو غياب القوى السياسية عن القيام بدورها وواجبها في أن تكون هي المنظمة للإضرابات، وفي مقدمة الحركة العمالية، وخاصة أن الإضراب الذي تم في المحلة كان الإضراب الثامن والعشرين على التوالي في مصر، والمهم في هذا أن الطبقة العاملة واعية لمصالحها ولوطنيتها وكانت كل مطالبها عادلة، وهذا كله أدى إلى تعاطف ومساندة من الحركة العمالية العربية والعالمية، وكان سببا في صمودها ثمانية أيام، حتى حصلت على مطالبها.

إن هذه الإضرابات هي إشارة إلى القوى السياسية التي يرتبط مصيرها بمصير الطبقة العاملة، فحواها: «إذا لم ترتبطوا بالطبقة العاملة بالأفعال وليس بالأقوال فقط، ستكون أحزابكم أحزاباً بدون رجال، وسيكون مصيرها الزوال، لأن المعركة الحقيقية هي في المعامل..»

قبل 3500 سنة في المحلة الفرعونية، عندما كان العمال يبنون بيت الله، قاموا بإضراب صامت عن العمل بسبب سوء أحوالهم، فوصل الخبر إلى فرعون الذي قال في الأمر: «كيف نريد من هؤلاء العمال القيام بالعمل وبطونهم خاوية»؟

إن تراكم نضالات الطبقة العاملة المصرية التي ينوف عمرها عن 3500 سنة، لا بد أن يثمر قريباً عن انتصارات غير مسبوقة.