بصراحة ما أضيق العيش
تصرف الناس وأخلاقهم ونفسياتهم وأفكارهم، هي انعكاس لواقع حياتهم الاقتصادية.. وقد قال ماركس ذات يوم: «كل نمط من المعيشة يطابقه نمط من التفكير»، فإذا كان أصحاب القصور والخدم والحشم، يسيرون بعنجهية، فتهتز الأرض تحت أقدامهم، ويتصرفون كسادة البلاد والعباد، لا يشغل بالهم إلا أمران: السعي إلى زيادة ثرواتهم ونفوذهم اللذين لاحدود وشبع لهما، بالوسائل المشروعة وغير المشروعة، ومن ثم اقتناص المزيد من لذائذ الحياة.. فإن الأغلبية العظمى من الشعب، وخصوصاً أصحاب الدخل المحدود تختلف تصرفاتهم ونفسياتهم عن هؤلاء..
وإذا القينا نظرة تأملية على حركة الناس في الشارع، نراهم على عجلة من أمرهم، يتحرك بعضهم كدمى اصطناعية على مسرح.. وجوه مثقلة بالهم والتعب المضني، عابسة متوترة كوتر قوس مشدود، ملبدة بالسأم والملل، ونفوس يضج فيها هلع وغضب مكبوت، من مواجهة غول الغد المجهول، بأيد فارغة من آمال وأمانٍ مستقبلية.
إن هؤلاء يعيشون دوامة ولدت في نفس كل فرد هماً، بل هموماً تشغل معظم تفكيره واهتمامه، وتضغط عليه لا إرادياً للإسراع إلى تلبيتها. هذا يفكر في تأمين إيجار البيت قبل أن يرمى عفشه في الشارع، وذاك في كيفية الحصول على مبالغ لتسديد فاتورتي الماء والكهرباء، وآخر يأمل في شراء المازوت لأن الشتاء القارس بدأ يلسع أطفاله، وغيره لا يعرف كيف يدبر مستلزمات مدارس الأولاد، أو شراء أدوية لمرضاه، رغم تقصيره على مصاريف البيت، لعل الراتب الشحيح يتمدد إلى ما بعد منتصف الشهر، وأخرى تقارن بين رضوخها لتهديدات مديرها بالانخراط في جوقة الفساد الذي أصبح قاعدة عامة، وبين رفضها الذي قد يعرضها إلى تلفيق تهمة طويلة ضدها قد تدخلها السجن، وتقذف بها خارج وظيفتها... وغيرها يفكر تحت ضغط الحاجة بالارتباط بعصابات السرقة والإجرام، أو بترويج المخدرات أو تسهيل الدعارة.. طالما سبل الوصول إلى عمل شريف مسدودة في وجهه تقيه غائلة الجوع، إلخ....
والفريق الاقتصادي، المسؤول عن نسبة كبيرة من مشكلات الشعب آنفة الذكر، بتنفيذه تعليمات صندوق النقد الدولي، لتحويل اقتصاد سورية الموجه الذي كان يحمل بعض الملامح التقدمية إلى اقتصاد السوق الليبرالي، نشوان بإنجازاته التجويعية لأغلبية الشعب السوري، ويصر بلسان رئيسه السيد الدردري من خلال تصريحه في لندن، على الاستمرار في نهجه لإفقار الشعب أكثر فأكثر، كرمى لمصالح البورجوازيين الطفيليين والبيروقراطيين.
ولعل الأنكى والأمر من هذا كله، تصريح وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل الذي يفقأ العين ويطعن القلب لغرابته وتجنيه على واقع العوز لأغلبية الشعب المأساوي بقولها: (لا يوجد في سورية فقراء، بل فئات أقل دخلاً). إنها لمفارقة عجيبة حقاً، أن يجهل أو يتجاهل وزير واقع حياة شعبه المعاشية.
ما أتعس حظ ذلك الشعب الذي يتآمر بعض وزرائه والقيمين عليه، على لقمة عيشه، وما أضيق أفق هؤلاء المسؤولين الذين يتناسون، أن أي شعب تحت تأثير العوز والجوع قد يفعل ما لا يتوقعه ظلامه وسارقو لقمته!!
■ عبدي يوسف عابد