طموح الحركة النقابية بين الواقع.. والمأمول
ينعقد المؤتمر الـ (25) لنقابات العمال في ظرف دقيق، يتطلب منها التفكير العميق بتجديد دورها وتطويره كي تتمكن من القيام بدورها الوظيفي ـ التاريخي في ظل التحديات التي تنتصب أمام البلاد والمجتمع والطبقة العاملة السورية...
لقد كانت الحركة النقابية تاريخياً مكوناً رئيسياً من مكونات الحركة الوطنية في البلاد، كما كانت تاريخياً في طليعة المعبرين عن مصالح الطبقة العاملة، لذلك فقوتها هي قوة للحركة الوطنية، ومن هنا فإن أي ضعف أو تراجع في أدائها يؤثر سلباً على مجمل الحركة الوطنية..
وفي ظل الهجمة التي تتعرض لها البلاد، إن كان من العدو الخارجي المتمثل بالعدو الأمريكي ـ الصهيوني، أو من تلك القوى في الداخل التي تريد تمرير سياسات صندوق النقد الدولي وغيره من المراكز الدولية تحت شعارات ما أنزل الله بها من سلطان، فإن مسؤولية الحركة النقابية تتعاظم، ومهامها تزداد وتتعقد.
فهذه القوى بالذات تريد تقييد وإضعاف وشل الحركة النقابية العمالية، لأن هذه الحركة بما لها من تجربة تاريخية وجذور عميقة تشكل تهديداً حقيقياً لكل من يريد أن يتلاعب بالاقتصاد الوطني وبمستوى معيشة الجماهير الشعبية...
وهذا لا يعني أن الحركة النقابية لا تعاني من بعض المشكلات والأمراض التي من المطلوب معالجتها، ولكن المشكلة أن البعض تحت هذه الحجة يريد الإجهاز نهائياً على الحركة النقابية، بينما المطلوب مساعدتها ودعمها لتتجاوز هذا الواقع، وصولاً إلى دور حقيقي تلعبه في الدفاع عن الوطن والمواطن والطبقة العاملة. إن الوطنيين، وخلافاً لبعض القوى الأخرى، إذا انتقدوا الحركة النقابية، فإنهم يريدون منها أن تكون أقوى وأصلب وأفعل في الدفاع عن حقوق ومصالح الطبقة العاملة، والمرحلة اليوم تتطلب ذلك تماماً.
وفعالية الحركة النقابية لا تقتصر على دورها التاريخي، فهي اليوم تلعب دوراً هاماً في مواجهة الليبرالية الاقتصادية التي تروج لها بعض الأوساط الحكومية، وخاصةً في المعارك ضد الخصخصة المختلفة الأشكال، وأخيراً ضد محاولة رفع الدعم عن المازوت، وكان هذا الدور مؤثراً ولا يمكن لأحد إنكاره، ولكننا نطلب المزيد من المواقف الحازمة والواضحة من الحركة النقابية لأنها هكذا فقط، تسترجع دورها الوظيفي ـ التاريخي بكامل أبعاده، فتعميق دور الحركة النقابية المطلبي وقيادتها لنضال الطبقة العاملة في ظل تردي أوضاعها الاقتصادية ـ الاجتماعية، هو الذي يضع أحد الأسس المتينة لتصليب الوحدة الوطنية، الشرط الضروري للانتصار في المواجهة الكبرى في ظل استشراس الهجوم الأمريكي ـ الصهيوني على المنطقة..
ونحن مقتنعون أن لدى الحركة النقابية وقياداتها الإرادة والطموح الكافيين للعب الدور المطلوب منها، ولكن السؤال الكبير هو: كيف تتحول هذه الإرادة إلى واقع؟ فالإرادة شيء وتحويل الإرادة إلى واقع شيء آخر، والمشكلة إذا تأخر تحويل الإرادة إلى واقع، فعندها يمكن أن ينشأ فراغ سببه تطور الواقع الموضوعي بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية ـ الاجتماعية للجمهور الواسع للطبقة العاملة، ولا يريد أحد من الوطنيين أن يُستَغلّ هذا الفراغ من أعداء الطبقة العاملة وأعداء الوطن الذين يمكن أن يقولوا حينها كلمة حق يراد بها باطل، كما حدث في الكثير من الحالات، وفي أكثر من بلد..
نعتقد مخلصين أن الوقت قد آن لإحداث نقلة في رؤية وخطاب وممارسة الحركة النقابية كي تصل إلى دورها الذي نطمح إليه جميعاً، والأرجح أن هذه النقلة يجب أن تتمحور حول النقاط التالية:
1ـ إن موضوعة الحكومة والنقابات فريق عمل واحد، أصبحت غير قابلة للحياة في الظروف الحالية، والأصح القول: إن الحكومة والنقابات يلعبان في ملعب واحد، حتى أن الفريق الاقتصادي في الحكومة أصبح يستحق نتيجة مخالفاته المتكررة لأصول اللعب الكثير من ضربات الجزاء التي ما زالت الحركة النقابية تؤجلها.
2ـ إن تحول النقابات إلى مدافع عن المصالح المباشرة للطبقة العاملة، يتطلب منها إيجاد آليات جديدة للقيام بمهامها وخاصةً في القطاع الخاص، ضمن الحقوق التي يضمنها الدستور للمواطن السوري، وصولاً إلى حق الإضراب إذا لزم الأمر، فليس من المعقول أن تترك الحكومة الحرية لأصحاب الرساميل ليتجاوزوا قوانين العمل، بينما يجري تقييد الطبقة العاملة ومنعها من الدفاع عن حقوقها.
3ـ وهذا كله يتطلب تطويراً لخطاب النقابات لينسجم مع رؤيتها وممارستها المتجددة التي يفرضها الواقع، فإعادة كسب ثقة جماهير الطبقة العاملة لشحذها في الدفاع عن حقوقها وعن الوطن، لا يمكن أن يتم فقط استناداً إلى إنجازات الماضي بل يتطلب إنجازات جديدة تضاف إلى رصيد الحركة النقابية التاريخي...
إن الحفاظ على دور الحركة النقابية وتطويره هو ضمانة لمنع الليبرالية الاقتصادية من التقدم، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن...