بصراحة: اللجان النقابية ودورها المنقوص في التجمعات العمالية؟!
تطرح النقابات في الاجتماعات التي تعقدها مسألة واقع اللجان النقابية والسلبيات التي تتخلل سير أعمالها، من حيث عدم تقيدها بعقد الاجتماعات، وعدم تفاعلها مع العمال في التجمعات العمالية، وتدني دور ممثلي العمال في اللجان الإدارية، والمجالس الإنتاجية. وتكتسب هذه النقاشات أهميتها من كون هذه اللجان القاعدية على تماس مباشر ويومي مع العملية الإنتاجية منذ بدايتها وحتى نهايتها، وبالتالي فمن المفترض بها أن تمارس مهامها كما حددها لها قانون التنظيم النقابي رقم /84/ في المادة /14/ منه تحت عنوان: «تختص اللجان النقابية بالصلاحيات التالية»:
إمداد النقابة بالمعلومات اللازمة عن وضع وأداء العاملين، ومستويات الأجور والإنتاج، وشروط العمل في التجمع، وعن نشاطها ونشاط المندوبين ومدى تنفيذهم لخطط العمل، ونتائج مشاركتهم في تأدية المهام والاختصاصات النقابية، وكذلك ملاحظاتها على تصرفات الجهة المشرفة على إدارة العمل، وتقديم المقترحات لتحسين ظروف العمل والعاملين وزيادة الإنتاج والإنتاجية وتطوير العمل النقابي.
كذلك جاء في الفقرة /ج/ من المادة /14/: على اللجان النقابية «المساهمة في حماية الملكية العامة، وتنظيم المباريات الإنتاجية والاشتراكية، وتثقيف العمال ورعاية مبادراتهم، ودعوتهم لزيادة الإنتاج والحد من الهدر والوقت الضائع، والاستغلال الأقل للطاقة والموارد والأدوات».
يمكننا من خلال ما تقدم أن ندرك الصلاحيات الواسعة التي منحها قانون التنظيم النقابي للجان النقابية، وثقل المسؤولية الملقاة على عاتقها، والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة: لماذا الشكوى الدائمة من تقصير اللجان النقابية في معظم المواقع الإنتاجية والخدمية؟
إن الإجابة على هذا السؤال المهم تتعلق بآليات العمل النقابي، ونوع الكوادر التي تصل إلى اللجان النقابية، وآليات الانتخابات النقابية، ومدى مشاركة العمال في انتخاب الكوادر حسب الكفاءة والوعي والجرأة، ومدى إيمان الكوادر المنتخبة بأهمية المهام التي تقع على عاتقها.
وبناءً على كل ما تقدم فلا يمكننا تحميل اللجان النقابية وحدها وزر التقصير، فالموضوع يتعلق أساساً بعقلية الحركة النقابية، واستمرارها في أداء مهامها وفقاً لشروط وظروف سابقة لم تعد تصلح وتتناسب في معظمها مع المستجدات التي جاءت بها السياسات الحكومية منذ الثمانينات، وعززتها الحكومة الحالية وفريقها الاقتصادي، بحيث باتت هذه السياسات تهدد معظم المكاسب والحقوق العمالية التي تحققت في مراحل سابقة، والتي يرى فيها الفريق الاقتصادي خطيئة لابد من تجاوزها، وهذا ما أكدت عليه التصريحات المتعددة للفريق الاقتصادي، وورشات العمل التي يعقدها مع صندوق النقد والبنك الدوليين لإعادة هيكلة حقوق العمال ومكتسباتهم، من خلال إعادة هيكلة مؤسسة التأمينات الاجتماعية، والتي تعتبر من أهم ما أنجز من مؤسسات تؤمن الحماية المطلوبة للعمال أثناء عملهم، أو عند وصولهم إلى سن التقاعد والإحالة على المعاش.
إن الاستمرار بآليات العمل السابقة نفسها وعدم تطويرها قد خلق تناقضاً عميقاً لدى الطبقة العاملة والكوادر النقابية «ومنها اللجان النقالية» فهي على الرغم من ازدياد أوضاعها المعاشية تردياً لا تستطيع الدفاع عن مصالحها بسبب تقييدها بمجموعة من المحرمات التي لا يجوز المساس بها، وعلى رأسها حقها بالإضراب السلمي الذي يعتبر من وجهة نظر الكثيرين داخل وخارج الحركة النقابية غير فعال ولا لزوم له طالما «شراكتنا» مع الحكومة قائمة.
إن تبني اقتصاد السوق وسيادة قوانينه يعني أن هناك مصالحاً طبقية متناقضة ومتصادمة في الآن نفسه، فلم يعد من المجدي الحديث عن توافق في المصالح وعن «شراكة» بين الطبقة العاملة والحكومة، مما يتطلب رؤية أخرى في التعامل مع المستجدات والوقائع المختلفة عن الحالة التي كانت السائدة في الماضي، حيث لم يعد من المقبول رؤية الأمور الجديدة بعين الماضي والتعامل معها بنفس الطريقة، لأن قوانين الصراع الجديدة تتطلب عملاً جديداً سيعكس نفسه بالضرورة على مجمل الحركة النقابية بما فيها اللجان النقابية، وعند ذلك لن تعود مجالس الاتحادات النقابية لنقاش تقصير اللجان النقابية وعدم فعاليتها، بل ستناقش كيفية الرد على الانتهاكات التي يرتكبها الرأسمال (الحكومي والخاص) بحق مصالح العمال ومكتسباتهم.