ممثلو العمال موجدودن ولكن لا دور لهم في اتخاذ القرار!!
أجازت القوانين للنقابات العمالية المشاركة في صنع القرار من خلال ممثلي العمال في اللجان الإدارية في كافة المؤسسات والشركات والمعامل، وأكدت القوانين على أن يكون هؤلاء رسل العمال لدى الإدارات، وقد أعطى المرسوم التشريعي رقم 18 وتعديلاته ممثلي العمال في المجالس واللجان الإدارية حق طرح ما يرونه من آراء أسوةً بالمدير العام، والمشاركة المؤطرة في صناعة القرار بدءاً من أعضاء المكتب التنفيذي في الحركة النقابية وصولاً إلى أعضاء الاتحادات الفرعية والنقابات واللجان النقابية.
التمثيل العمالي بين الواقع والقوانيين
تمثيل العمال في المجالس واللجان إذاً هو تمثيل مفروض بقوة القانون، ويترتب على ذلك أن للعامل الحقوق نفسها، ويتحمل المسؤولية ذاتها التي يتحملها المدير العام، وهذا يعني أن مهمة الممثل هي لصالح العمل والإنتاج والعمال، والمطلوب منه عدم الاقتصار على المشاركة في الاجتماعات التي تعقد، وإنما عليه أن يكون رقيباً فاعلاً ومرتبطاً بقاعدته وبالمؤسسة التي يعمل فيها.
والتنظيم النقابي هو الذي يسمى الممثل عضواً في المجلس أو اللجنة، وهو الذي يرقب نشاط الممثل وينظمه ويدعمه ويوجهه بما ينسجم مع مصالح العمل والعمال ومصالح المنشأة، وهذا يرتب على الممثل واجبات تجاه التنظيم النقابي في مقدمتها: إعلام النقابة واتحاد عمال المحافظة والاتحاد المهني بكل نشاطات المجلس أو اللجنة الإدارية، ومسيرة العمل والإنتاج والصعوبات والعقبات الأساسية، وما فعله ممثل العمال بشأنها، وما هي مقترحاته.
دور كبير كما رأينا، ومشاركة حقيقة فعلاً في صنع قرارات الإدارة، وشراكة فعلية مع الحكومة والإدارات.
وبموجب القانون رقم 2 تطلب القيادة النقابية في الاتحاد العام من الاتحادات الفرعية في المحافظات ومن النقابات إرسال قوائم المرشحين للجان النقابية ثلاثة أضعاف العدد المطلوب من الفئة الأولى أولاً، وإذا لم يتيسر من الفئة الثانية أو الثالثة، وأن يكون المرشحون من التجمع العمالي، ويتكون مجلس الإدارة من 11 عضواً بينهم ستة عناصر من خارج المنشأة، ومع بدء الترشيح تبدأ مزايدة حقيقة بين اللجان النقابية والنقابات والاتحاد المهني والاتحاد العام، وتنطلق المساومات والتكتلات والمواقف.
مثلاً: أعضاء المكتب التنفيذي في الاتحاد العام لنقابات العمال هم جميعاً أعضاء في اللجان الإدارية في المؤسسات العامة الكبرى، وبعضهم أعضاء في عدة مؤسسات. كذلك أعضاء المكاتب التنفيذية في المحافظات ورؤساء الاتحادات المهنية ورؤساء النقابات هم أعضاء في المجالس واللجان الإدارية في المعامل والشركات.
والقرارات التي تتخذ هي قرارات جماعية تتم بموافقة وتوقيع جميع الأعضاء على المحاضر، ومن النادر أن نجد تحفظاً من قبل ممثل العمال على قرار اتخذ سواءً على الصعيد الإنتاجي أو العمالي.
والغريب في الأمر أنه رغم مرور سنوات طويلة على إنشاء هذه اللجان والبدء بهذه التجربة لم يجر أي تقييم لها أو مراجعة لعملها، وإذا تم التفكير في إجراء هذا التقييم فإننا نتساءل: ما هي الجهات التي جب أن تتصدى لهذه المهمة؟
بالطبع هذا السؤال برئ!!
مهام الممثلين العماليين...على الورق
تحن نذكر كل هذا لأن التجربة من الناحية النظرية هامة جداً، وقد بين التعميم الذي أصدره اتحاد العمال في 26/11/1989 منطلقات عمل ودور العمال في الإدارة كما يلي:
إن تمثيل العمال في المجالس الإدارية لا يشكل امتيازاً للممثل، بل يجسد ثقة العمال وتنظيمهم النقابي به، كونه أهلاً لعضوية المجلس أو اللجان الإدارية، وعلى ذلك فالتمثيل العمالي هو مهمة نقابية نضالية ترتب واجبات والتزامات ومسؤوليات.
إن تمثيل العمال في المجالس واللجان الإدارية هو تمثيل بقوة القانون، وللمثل الحقوق والمسؤوليات ذاتها التي يملكها أعضاء المجلس أو اللجان الإدارية الآخرين (وأكثر منها في بعض المسائل) وليست له أية ميزة أو حماية في حال تقصيره في أداء واجباته ومسؤولياته.
إن مسؤولية الممثل تجاه التنظيم النقابي والعمال لا تنفي مبادراته وإبداعه الشخصيين في إطار الالتزام بالخط العام للحركة النقابية العمالية، ودور القطاع العام، وضرورات التطور الاقتصادي والاجتماعي، وما يترتب على ذلك من مسائل خاصة بالتجمع وبالفرع اللذين ينشط في إطارهما.
إن مشاركة الممثل الفاعلة والمسؤولة في إدارة التجمع لا تعني مطلقاً التناقض أو التضاد مع الإدارة (وأعضاء المجلس أو اللجنة الإدارية الآخرين) لأنه وإياهم لا يشكلان فريقين متجابهين، بل ينشطان في إطار القوانين والأنظمة ذاتها التي تؤطر عمل التجمع وتوجهه، وهي ذات أرضية وأهداف تقدمية في أساسها، ولكن هذا النشاط المشترك لا يعني بالمقابل افتراض التطابق في الآراء والمقترحات. وفي حال حدوث خلاف في الرأي فثمة جهات أعلى تتدخل وتراقب وتحاسب، ومن ضمنها الجهات الأعلى في السلم الإداري والتنظيم النقابي وغيرهما، إن المهم بالنسبة إلى الممثل العمالي هو النشاط في إطار العمل المشترك الإيجابي، والتمسك بحيوية بالخطة وبالخط العمالي النقابي في مناقشة وتقويم الأمور، والتصدي لأية انحرافات أو تجاوزات قد تظهر، وتسجيل اعتراضاته وتحفظاته خطياً.
وتأسيساً على ما سبق ونظراً لما للمشاركة العمالية في الإدارة من أهمية بالغة فإن على الممثل أن يطور باستمرار معارفه الإدارية والتشريعية والتنظيمية والاقتصادية والتخطيطية والعملية.... وأن يكون لديه إحساس رفيع بالمسؤولية، وأن يطور باستمرار معارفه الاقتصادية والتخطيطية والإحصائية والتنظيمية، والارتقاء بوعيه السياسي ـ الاجتماعي ـ النقابي بما يخدم قضايا بناء المجتمع.
وماذا عن مهام ممثلي اللجان النقابية؟
على اللجان النقابية أن تكون صلة الوصل الفعالة بين عمال التجمع وممثلي العمال في المجالس أو اللجان الإدارية، وأن تزود الممثلين بالمعلومات والمقترحات والمطالب العمالية، وأن تتشاور معهم حول سبل تنفيذها في إطار المجلس أو اللجنة الإدارية، أو على صعيد المديريات والفروع والأقسام المختلفة.
وفي حال وجود فروع (أو وحدات أو مديريات....) للتجمع في أكثر من محافظة فإن على اللجان النقابية في هذه الفروع أن تقيم صلتها المنوه بها مع الممثل أثناء اللقاء به إذا تم هذا اللقاء، أو عبر الطريق النقابي، أي إعلام النقابة المعنية، ومن ثم الاتحاد المهني المعني الذي يضع الممثل بصورة مطالب اللجنة (أو اللجان) النقابية. ومن واجبات اللجان النقابية في هذا المجال أيضاً:
إقامة صلات منظمة ومستمرة بالممثل وخاصة فيما يتعلق بالاجتماعات الهامة للمجلس الإنتاجي أو اللجنة الإدارية، وعليها في هذه الحالة أن تجتمع به وتناقش معه جدول الأعمال والوثائق والمذكرات التي ستعرض في الاجتماع، وتقرير التوجه اللازم بشأنها. وإذا ما برزت مسألة أو أكثر تتطلب أخذ رأي الاتحاد المهني أو اتحاد عمال المحافظة بشأنها فعليها الاتصال بهما دون إبطاء، وأخذ توجيهاتهما وإبلاغهما للممثل.
إرسال التقارير الربعية للمثل إلى الاتحاد المهني واتحاد عمال المحافظة مرفقة برأي النقابة حولها.
تخصيص الاجتماع الدوري الأخير لمكتب النقابة في كل شهر، أو تخصيص جزء منه لاستعراض نشاط المجالس واللجان الإدارية في التجمعات التابعة، ونشاط ممثلي العمال فيها، وفي حال الضرورة يمكن دعوة الممثل (أو الممثلين) لحضور هذا الاجتماع. وتقع مسؤولية تنظيم هذا العرض وتقديم المقترحات اللازمة على عاتق أمين الشؤون الاقتصادية الذي عليه أن يقدم عرضاً مركزاً مستمداً من تقارير الممثلين الربعية ومن المذكرات والكتب والجولات الميدانية ذات العلاقة بالموضوع.
وفي حال اتخاذ مكتب النقابة توصيات ومقترحات معينة عليه أن يقوم بإبلاغها إلى اتحاد عمال المحافظة والاتحاد المهني وإلى الممثلين المعنيين.
إذا كان من بين أعضاء مكتب النقابة، أو من بين أعضاء مؤتمر اتحاد عمال المحافظة ممثلون في مجالس ولجان إدارية فعلى هؤلاء أن يعرضوا في اجتماعات المكتب الأمور الضرورية والملحة، دون حاجة لانتظار الاجتماع الأخير في الشهر لمكتب النقابة.
إرسال تقرير ربع سنوي مكثف عن المجالس واللجان الإدارية في التجمعات التابعة، ونشاط الممثلين فيها، إلى كل من اتحاد عمال المحافظة والاتحاد المهني.
المشاركة مؤطرة ومنظمة إذا،ً ولا يوجد تداخل أو ازدواجية، والقرارات جماعية بين مختلف الفرقاء: المدير، ممثل التنظيم النقابي، وبقية أعضاء اللجان الإدارية.
ولكن من المؤسف أن نقول:
إن دور ممثل التنظيم النقابي في أكثر الإدارات لم يكن فاعلاً، وإنما كان مشاركاً للإدارات في قصورها وفسادها وتقاعسها عن مهامها. بل مبرراً لخسارتها. ولكن للإنصاف نقول أن دور ممثلي العمل خلال العقود الماضية كان فاعلاً في اللجنة الاقتصادية وفي مؤسسات أخرى عديدة، وفي ظل هذا الدور الهام جرى إصدار قانون العاملين الموحد وما تضمنه من مكاسب هامة، بالإضافة إلى التعديلات العديدة على قانون العمل في القطاع الخاص. وغيرها من المكاسب العمالية الهامة.
ولكن، وكما هو واضح فإن الحكومة قد اتخذت قرارها في إنهاء دور ممثلي العمال بدءاً من اللجنة الاقتصادية وحتى أصغر وحدة إنتاجية.
وعندما جرى احتجاج صامت من الحركة النقابية على هذا القرار قامت الحكومة بالمناورة من خلال تأكيداتها المتكررة بأن الدور العمالي لا يزال قائماً، وبإمكان ممثل العمال الحضور إلى اجتماع اللجنة الاقتصادية, ولكن عند مناقشة القضايا العمالية فقط!!
نعم الدور لايزال قائماً، ولكن لا رأي للعمال، والحكومة تتصرف على هواها، لتزيد من تهميش هذه الفئة المنتجة الأساسية في المجتمع التي يتم حرمانها من آخر الوسائل التي تمكِّنها من إيصال صوتها والتعبير عن مصالحها.