بصراحة مهام كبيرة تحتاج إلى سرعة في المبادرة!!
طمأن النائب الاقتصادي عبد الله الدردري الشعب السوري، في اللقاء التلفزيوني الذي أجري معه حول الأزمة المالية العالمية وتداعياتها عالمياً ومحلياً، بأن هذه الأزمة لن تصيب الاقتصاد السوري بأضرار فادحة، بسبب متانة هذا الاقتصاد، وصحة الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها وستتخذها الحكومة من أجل حماية مصالح الشعب السوري بفقرائه وأغنيائه، مؤكداً في حديثه على أهمية دور الدولة التدخلي، وكأننا في هذا الحديث نرى النائب قد غير جلده، ولبس جلداً أخر ذا سمة يسارية لا تتوافق مع ماكان يطرحه ويمارسه على الأرض منذ سنوات وإلى الآن، ومع تأكيداته المستمرة على ضرورة استبعاد أي دور تدخلي للدولة، من أجل أن يأخذ القطاع الخاص دورة الحقيقي في عملية التنمية والتوسع الصناعي وحل أزمة البطالة وغيرها، ويساهم في حل «الأزمات المستعصية» التي سببها التخطيط المركزي وسيادة القطاع العام وتحكمه بالتجارة الخارجية والداخلية!!
إن تبديلاً واضحاً إذاً قد طرأ على وجهة النظر النيوليبرالية التقليدية، والتي يعتبر الدردري أهم ممثليها في بلادنا، حيث تمت إعادة الاعتبار لدور الدولة التدخلي، ولكن على الطريقة الرأسمالية التي يقوم جوهرها على تدخل الدولة لحماية وتأمين مصالح الرأسماليين الكبار على حساب الطبقات الشعبية من عمال وفلاحين وفئات وسطى، حيث جرى الاعتداء السافر على حقوق هذه الطبقات، واستنزاف أموالها لتجييرها واستخدامها من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام الرأسمالي العالمي، بعد أن بدأ بالتهاوي بسرعة قياسية تفوق توقعات الكثير من المنظرين الاقتصاديين العالميين والمحليين، حيث وصف أحد النواب الأمريكيين ما يجري بأنه أكبر عملية نصب مالي في التاريخ الأمريكي، وقال الباحث الاقتصادي ستيلتز الحاصل على جائرة نوبل في الاقتصاد: «إن انهيار (وول ستريت) هو بمثابة انهيار لأيديولوجيي اقتصاد السوق الحر المتعصبين» ولا نعتقد أن كلا الرجلين هما من منظري أيديولوجيا العمال والطبقات الشعبية، بل إن عمق ما يجري الآن من انهيار في النظام الرأسمالي قد دفعهما لمثل هذه الأقوال التي لن يروق سماعها بالتأكيد لفريقنا الاقتصادي العتيد الذي لا يزال مصراً على أن ما نفذه من سياسات اقتصادية كان صحيحاً ولمصلحة الاقتصاد الوطني والشعب السوري، لذا لم يتأثر اقتصادنا بما يحدث الآن في الأسواق العالمية!!
إن ادعاءات الفريق الاقتصادي هذه لن تستطيع خداع أحد، فمن حمى الاقتصاد السوري ليس الإجراءات المدروسة التي أتبعها الفريق الاقتصادي، لأن برنامجه كان يتمثل باللحاق السريع باقتصاد السوق والارتباط به بالسرعة الممكنة كي لا يفوتنا قطار «التطور الحضاري»، وبالتالي فإن المعارك الواسعة التي خاضتها الحركة النقابية والقوى الوطنية ضد سياسات هذا الفريق هي من حمت مصالح البلاد، بعد أن أدركت بأن هذه السياسات ستوصل البلاد إلى كوارث حقيقية لا يعلم مداها إلا الله. ومع هذا استطاع الفريق الاقتصادي تمرير جزء هام من برنامجه، ومازال يسعى إلى استكماله، وهذا يقتضي من كل القوى الوطنية الحريصة على المصالح الوطنية العليا لشعبنا، والحريصة على استمرار وطننا بممانعته للمشاريع الاستعمارية الأمريكية والصهيونية، أن تنظم صفوفها لأن المعركة القادمة أشد وأشرس، بسبب عمق الأزمة الرأسمالية التي لن تجد الإمبريالية الأمريكية مخرجاً لها إلا بالحرب، وهذا يعني ضرورة رفع وتيرة النضال من أجل إيقاف برنامج الفريق الاقتصادي وحلفائه من قوى السوق، وتبني برنامج آخر يكون الأساس فيه تأمين الحاجات الأساسية والضرورية لشعبنا، وخاصةً الطبقات الشعبية منه، وعلى رأس تلك الحاجات الدفاع عن القطاع العام الصناعي والزراعي، لأن هذا القطاع هو القاعدة المتينة التي ستمكِّن شعبنا من الصمود، وستؤمن حاجاته الضرورية وفي مقدمتها القمح الذي فرط به الفريق الاقتصادي، فأصبحنا نستورد منه بعد أن كنا نصدره.
إن المهام التي ستواجهنا كقوى وطنية وحركة نقابية كبيرة، وتحتاج إلى نفض الكثير من الأوهام، والتخلي عن الكثير من المواقف السابقة التي ساهمت وساعدت بانجاز برنامج قوى السوق الكبرى، تلك القوى التي لا تزال تسعى بكل طاقتها للاستمرار في برنامجها رغم كل ما يجري عالمياً، وهذا يقتضي تبني برنامج شعبنا المقاوم، لأن برنامج الشعوب قد انفتح أمامه الأفق، والتقاط هذه اللحظة التاريخية يعني المساهمة الفعالة في الإجهاز على النظام الرأسمالي العالمي وحلفائه المحليين، فهل سنبادر إلى ذلك ونكون على قدر المسؤولية؟!