مرةً أخرى: «لا تخصيص.. ولا استثمار.. ولا عودة للاستعمار»
ارتبط تاريخ الطبقة العاملة السورية منذ نشأتها الأولى بقضيتين أساسيتين، ساهمتا بشكل أساسي في تطورها، وهما الدفاع عن الوطن، والدفاع عن مصالحها وحقوقها الطبقية، وقد اكتسبت الطبقة العاملة من خلال ذلك موقعاً رائداً ومتقدماً بين القوى الوطنية الأساسية التي تحمي هذا الوطن، وأبلغ تعبير عن ذلك الشعار الذي رفعه عمال مرفأ اللاذقية في إضرابهم الذي جرى مؤخراً، والذي حاولت إدارة المرفأ أن تنكر حدوثه، وفي هذا حجب للحقيقة التي لا يستطيع أحدٌ إنكارها، مهما بلغت الوسائل والأساليب والإجراءات المتخذة، لأنه لا يمكن حجب نور الشمس بغربال.
فالذي جرى يا إدارة المرفأ، وأنتم خير من يعرفه، أن العمال قد أضربوا وتجمعوا داخل حرم المرفأ، وانتظروا وصول المدير العام لمدة ساعتين دون جدوى، مما اضطرهم للذهاب إلى مقر فرع حزب البعث في اللاذقية، وإلى مبنى المحافظة. ولا نريد أن ندخل في تقدير عدد العمال المضربين، لأن في ذلك إضاعة لجوهر القضية الذي تحاول الإدارة القفز فوقه، والذي يتجسد بأن هناك حقوقاً عمالية لم تلبَّ، مما جعل العمال يلجؤون إلى الإضراب، الذي قدر المدير مدته بساعتين. أي أنه اعترف بأن الإضراب قد تمَّ، وهذا هو المهم، ويبقى الخلاف على مدة استمرار الإضراب أمراً ثانوياً، مع أن لدينا في قاسيون معلومات موثقة تؤكد أن العمال قد استمروا بإضرابهم منذ السابعة صباحاً وحتى الواحدة والنصف ظهراً.
عند زيارة رئيس الجمهورية لمرفأ اللاذقية، وهي الزيارة المخصصة للاطلاع على واقع المرفأ من أجل تطويره وتحسين العمل فيه، قدم توجيهاً بإعطاء العمال نسبةً من أرباح الشركة، إلا أن الإدارة لم تنفذ التوجيه، تحت حجة أنه لا يوجد قانون نافذ يتقاضى بموجبه عمال الإنتاج، أو غيرهم من العاملين، أية نسبة من الأرباح. هذا بالإضافة إلى ما قامت به الإدارة، أثناء زيارة الرئيس، بإخفاء رافعة «الموبايل كرين» الضخمة الساقطة على الأرض، خلف مجموعة من الحاويات، لكي لا يجري التساؤل حولها، وحمَّلت العامل المسؤول عنها وزر سقوطها، ليتبين فيما بعد أن سبب السقوط هو موضوع فني لا علاقة لأي عامل به، وهذا ما أكده العمال والخبراء عند سقوط الرافعة الثانية. وبهذه المناسبة نود أن نذكر المدير العام أن عمال الآليات والروافع وعمال العتالة كانوا يفرغون الحاويات بمعدل 37 إلى 38 حاوية في الساعة، قبل استيراد الروافع الضخمة التي كلفت مليارات الليرات السورية، والتي يقول المدير العام إنها تتناول 30 حاوية فقط في الساعة، وهناك كتب شكر عديدة لهؤلاء العمال، موجهة من شركات أجنبية، تثني فيها على جهودهم في العمل.
ويهمنا أيضاً أن نذكّر هنا بالمطالب التي رفعها العمال المضربون، والتي تجسدت بما يلي:
1) رفض للإعلان الذي أصدرته إدارة المرفأ عن آخر موعد لتقديم طلبات الاستثمار من الشركات الأجنبية، وهو الإعلان الذي جاء قبل يومين من الإضراب، ورفضه أيضاً اتحاد نقابات عمال المحافظة، وقيادة فرع حزب البعث في المحافظة، والاتحاد العام لنقابات العمال من خلال المذكرات التي أرسلتها إلى القيادة السياسية، والتي وضَّحت فيها مخاطر طرح المرافئ للاستثمار، مع وجود كادر وطني يستطيع إدارة هذا المرافئ بجدارة.
2) المطالبة بعدم نزع مسامير الحاويات أثناء العمل على ظهر الباخرة، لأن ذلك من مسؤولية عمال الحاويات.
3) الاحتجاج على عدم حصول العمال على الزيادة الأخيرة وهي 25 % من الأجر المقطوع دون أن تقدم الإدارة أي مبرر لذلك.
4) إعادة مبلغ تعويض طبيعة العمل لعمال الآليات إلى ماكان عليه سابقاً، حيث انخفض من /1000 ل.س/ إلى /300 ل.س/.
5) الاحتجاج على إلغاء سقف الحوافز لسائقي الآليات، وخاصةًَ عمال الرافعات منهم، الذين يعملون ليلاً ونهاراً، ولهم الفضل في زيادة الإنتاج، وقد وعدتهم إدارة المرفأ بزيادة تعويضاتهم، ولم تنفذ وعدها.
إن حقوق العمال ومصالحهم وأجورهم ليست منّةً من أحد، ولا بد للعمال من الحصول على هذه الحقوق، ونحن بهذه المناسبة نعلن تضامننا الكامل مع عمال المرافئ، ومع كل عمال الوطن، لكي ينالوا حقوقهم كافة، بما فيها حقهم بالإضراب الذي كفلته لهم اتفاقيات العمل الدولية والعربية، التي وقعت عليها سورية.
وفي الختام نقول للسيد المدير العام: بصرف النظر عن موقفكم المعترض على ما نشرناه في جريدتنا، دفاعاً عن الحقوق المهدورة لعمال المرفأ، فإننا سنبقى ملتزمين بالدفاع عن موقفنا وموقف العمال، حيث إننا نملك كل الثبوتيات اللازمة لإثبات صحة ومصداقية ما نقوله.
رد إدارة المرفأ..
والتلويح بالملاحقة القضائية
لابد من التوقف عند الرد الذي أرسله المدير العام للشركة العامة لمرفأ اللاذقية السيد سليمان أسعد بالوش لصحيفتنا بعد تغطيتها المميزة لإضراب العمال، حيث ورد فيه:
«السيد رئيس تحرير جريدة قاسيون..
إشارة إلى ماجاء في صحيفتكم بعددها الصادر بتاريخ 18/8/2008 تحت عنوان (إضراب عمال مرفأ اللاذقية) نبين ما يلي:
بداية نستغرب أشد الاستغراب إيراد معلومات غير دقيقة على صفحات جريديتكم الموقرة، بدءاً من العنوان الذي أشار إلى إضراب عمال المرفأ اللاذقية، مروراً بالتأخر في صرف الأرباح الدورية البالغة 10 % وصلاً إلى موضوع الروافع، إذ أن خلاصة ما حدث هو التالي:
- صباح اليوم 17/8/2008 تجمع أمام مبنى فرع الحزب في اللاذقية، ولمدة لا تتجاوز الساعتين، عدد من عمال المرفأ (قسم من العاملين في الوردية الليلية) وعادوا بعدها إلى أعمالهم، وهم بحدود مئة عامل، واستمر العمل بوتيرته العادية، حيث بلغت إنتاجية المرفأ في اليوم المذكورة 19613 طناً، وتم تفريغ وشحن 2131 حاوية، وقد تركزت مطالب هؤلاء العمال حول عمليات فك مسامير الحاويات، بعد تشغيل روافع الكانتري كرين العملاقة، التي ستوضع في الخدمة خلال الأيام القادمة، ومن الجدير ذكره أن الروافع مستخدمة في أفضل المرافئ العالمية لما تتميز به من مواصفات فنية عالية، حيث تبلغ استطاعتها 50 طناً تحت اللاقط، وتتناول الحاويات بمختلف قياساتها من الباخرة، وإلى الرصيف وبالعكس بمعدل 30 حاوية في الساعة، ومزودة بلاقط مزدوج بحيث تتناول حاويتين بنفس الوقت، وحتى تاريخه لم توضع هذه الروافع في الخدمة، وبالتالي لم يصرف عليها أي مبلغ لا بقصد الإصلاح أو التجهيز أو أي شيء آخر، وكذلك لم يصرف أي مبلغ على رافعة الموبايل كرين، التي هي قيد العمل حالياً وضمن فترة الضمان.
- تم عقد اجتماع بالتاريخ المذكور أعلاه، ضم الرفيق رئيس فرع الحزب، والمدير العام لشركة المرفأ، وممثلين عن هؤلاء العمال، تقرر على أثره تشكيل لجنة من الحزب والنقابة والمرفأ لمناقشة مطالب العمال، واقتراح الحلول المناسبة لها وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية.
- وحول ما نشر في المقال من تأخر الإدارة من دفع استحقاقات العمال أو حصتهم من الأرباح الدورية البالغة 10 %، لا صحة لهذا الأمر، إذا ليس هناك قانوناً نافذاً يتقاضى بموجبه عمال الإنتاج أو غيرهم من العاملين لدينا أية نسبة من الأرباح المذكورة، علماً أن العمال أنفسهم لم يتطرقوا إلى هذا الأمر، مع الإشارة إلى أن هؤلاء العمال الذين تجمعوا أمام فرع الحزب تقاضوا رواتبهم عن الشهر الماضي، وفقاً للجدول المرفق، والتي تجاوز بعضها /76 ألف ليرة سورية/ للعامل الواحد.
- وعلى ضوء ما تقدم يتبين أن كاتب المقال ذهب بعيداً عن الحقيقة، وكنا نتمنى عليه قبل كتابة مقاله لو راجع الاتحاد العام للعمال في القطر (المكتب التنفيذي)، واستوضح حقيقة الموضوع، لأن الاتحاد في صورة الوضع، ويعلم مدى تعاون إدارة المرفأ في هذا المجال، وحرصها على حل القضايا العمالية... وإننا نحتفظ بحقنا بالملاحقة القضائية لكاتب المقال لنشره معلومات مضللة للرأي العام»..
تعقيب لا بد منه..
لقد بذلت «قاسيون» جهداً كبيراً طوال سنوات عديدة من العمل الجدي والنضال الصادق واللغة الموضوعية والمهنية العالية والشفافية، لبناء جسور الثقة بينها وبين السواد الأعظم من الناس وعلى رأسهم الطبقة العاملة، والقوى الوطنية على اختلاف أيديولوجياتها ومواقعها، وعملت في هذا الإطار على حشد الطاقات في سبيل تلازم القضايا الوطنية، مع الاقتصادية – الاجتماعية، مع الديمقراطية، ولم تخفِ انتماءها وتمترسها في خنادق الفقراء والشرفاء ومحازبي الوطن والمدافعين عن سلامته ووحدته وحقوق شعبه، واليوم يتفق الخصوم والأصدقاء على السواء، على أنها صوت وطني حر لا هم لها إلا تحقيق كرامة الوطن والمواطن، وهي من هذا المنطلق ليس لها موقف شخصي من أحد، ولا تسعى لاختلاق صراعات هامشية مع أحد، ولا تمتلك الوقت والرغبة للغرق في ترهات من هذا القبيل.. وموقفها من العمال والقطاع العام واضح لا لبس فيه: مناصرٌ ومؤازرٌ ومحفزٌ، وكذلك موقفها السلبي المعلن من الليبرالية الجديدة ومن الفريق الاقتصادي الذي يريد فرضها قسراً على البلاد.. وكون رد السيد بالوش تحدث عن نقاط كثيرة جرى الرد عليها أعلاه بشكل مفصّل، ومن جملتها الإشارة إلى «معلومات غير دقيقة» و«معلومات مضللة» يزعم أن قاسيون قامت بنشرها، مع التلويح باللجوء إلى القضاء.. لذا كان لا بد من هذا التعقيب..