بصراحة الاحتجاجات العمالية.. وآثار رفع الدعم
بدأت سياسة رفع الدعم تتكشف آثارها ونتائجها المدمرة على شعبنا، وخاصة على المستوى المعيشي للطبقة العاملة السورية، بسبب غلاء الأسعار الجنوني، وضعف أجور العمال الفعلية، وغير القادرة على مواجهة موجات الغلاء المتلاحقة، حتى بوجود الدعم لبعض المواد الغذائية، والمشتقات النفطية، فكيف سيكون الحال المعيشي والدعم مرفوع، والغلاء بتصاعد، والاحتياجات الضرورية تضغط بقوة ولا يمكن تأجيلها؟!
لقد أصابت آثار رفع الدعم ليس العمال فقط، بل جميع الشرائح الكادحة في المجتمع، من فلاحين وحرفيين وصغار الكسبة، فأصبحت هذه الشرائح حائرة بالطريقة التي ستمكّنها من التصدي لواقعها المعيشي، الذي ينحدر يوماً بعد يوم، حيث يتفاجأ المواطن مع مطلع كل صباح بارتفاع جديد لأسعار المواد الأساسية، يهز كيانه ويجعله متوتراً وساخطاً على الأوضاع، والسياسات التي أوصلته إلى هذه الحال، فيبقى التفكير لديه ما هو الحل؟ وهل ستطول المعاناة إلى مالا نهاية؟!
إنها أسئلة مشروعة، تكتسب شرعيتها من حجم المعاناة، وانسداد السبل والطرق الكفيلة برفع الظلم، الذي أصاب الطبقة الواسعة الفقيرة، ومنها العمال، جراء السياسات الليبرالية التي يسير بها الفريق الاقتصادي، والتي تمكّن البرجوازيين بكل ألوانهم، من الاستحواذ على جزء مهم من الدخل الوطني كأرباح، دون أن يقدموا ما يتوجب عليهم من ضرائب لقاء الأرباح الملطوشة من عرق وجهد العمال، الذين لا يصيبون من كل تلك الغنائم إلا القليل الذي يمسك رمقهم ويبقيهم على قيد الحياة.
إزاء هذا الواقع المتردي، بدأ العمال بالتفكير الجدّي، للرد على ما أصابهم، حيث بُحَّت حناجرهم، وهم يتحدثون عن أوضاعهم المعيشية المتدهورة، في معاملهم وفي مؤتمراتهم النقابية واجتماعاتهم العمالية، ومطالبين ممثليهم بإيجاد الطرق الكفيلة بالحفاظ على حقوقهم ومكتسباتهم المعتدى عليها من السياسات المنحازة الآن لغير صالح حقوقهم الأجرية، ولا نعني بالأجرية فقط أجر العامل، بل كامل الحقوق الأخرى التي أصبحت جزءاً من أجره. وهذا ينطبق على العمال في قطاع الدولة وفي القطاع الخاص، حيث الظروف المعيشية متشابهة، والفروق نسبية بين عمال القطاعين من حيث اختلاف المطالب، ولكن ما يوحِّد معاناة الطرفين، هو ضعف الأجور الفعلية التي لم تتحسن من حيث قدرتها الشرائية، ومواجهة الأعباء المتزايدة المترتبة على العمال تجاه عائلاتهم.
هذه الظروف مجتمعة: الأجر، غلاء الأسعار، دور الحركة النقابية وآلياتها في هذه المرحلة، كل ذلك دعا العمال في بعض المواقع للتحرك احتجاجاً على أوضاعهم ومن أجل أجورهم، بعد أن سدت السبل والطرق في وجوههم، من أجل جميع حقوقهم، ومن أجل شروط أفضل لبيع قوة عملهم بسعر أحسن، كما هي حال أية سلعة معروضة للبيع وفقاً لقوانين السوق، والدفاع عن الحقوق، وتحسين شروط البيع يعني ممارسة حقهم الطبيعي لإجبار الرأسمالي الهاضم للحقوق، والشاري لقوة العمل، على دفع سعر أفضل، وهذا لا يتم بالتفاوض معه فقط، حيث أثبتت التجربة عدم نجاحها كحل وحيد، بل لابد من وجود قوة تدعم عملية التفاوض لكي تنجح، وكان هذا هو الحل العملي الذي قدموه، حيث كانت المفاوضات تجري والإضراب قائمٌ، كما حدث في شركة (عماد وعمار العوا)، وكذلك في معمل سامر الدبس، وقبلها في شركة سيراميك الشام.
هذا في القطاع الخاص، أما في القطاع العام، فقد أضرب عمال الشركة العامة للإنشاءات المعدنية من أجل أجورهم، وسبقهم عمال الشركة العامة للبناء، وعمال الطرق والجسور، واحتج عمال الكهرباء في القابون من أجل حوافزهم غير المقبوضة منذ ستة أشهر، وإلى حين كتابة هذه الأسطر.
إن حصول الإضرابات العمالية المرشحة للتصاعد مع تأزم الأوضاع المعيشية، هي نتيجة حتمية ومنطقية للسياسات الاقتصادية الجائرة، التي تدفع العمال لممارسة كل السبل المشروعة للدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم.
إن فكرة الإضراب أصبحت مقبولة عند العمال، وإن لم تكن سائدة إلى الآن لأسباب موضوعية عدة، ولكن ما هو غير مقبول، هو عدم تبني حق الإضراب من ممثلي العمال، كأحد الأدوات الهامة التي يستطيع العمال وممثلوهم من خلالها تحقيق مطالبهم، والدفاع عنها، في حال فشلت المطالبات المعتادة والمفاوضات مع أرباب العمل الذين يتمتعون بحصانة وحماية، أمّنتها لهم السياسات الاقتصادية والقانونية الجديدة، مقابل إضعاف الطرف الآخر ومحاصرته بأجره وبحقه المشروع بالدفاع عن مكتسباته وحريته.
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.