ما العمل ...؟! اجتماع المجلس العام ينعقد يوم الأحد
في اللقاء الذي ضم قيادة الاتحاد العام لنقابات العمال وأعضاء من الحكومة، خرج علينا رئيس الحكومة بتوصيف لحكومته بأنها حكومة العمال والفلاحين والفقراء.
لا ندري إن كان هذا القول هو فقط لتهدئة نفوس القيادة النقابية الحانقة على الحكومة السابقة نفسها، ويبدو هو كذلك بسبب تسويفها المستمر لحقوق ومطالب العمال التي رفعت لأجلها عشرات الكتب والمذكرات، ولكنها ذهبت جميعها أدراج الرياح، لتعيد الآن تقديم المطالب السابقة نفسها إلى الحكومة الجديدة التي تراهن النقابات على احتمالات تغيير فعلها وتستجيب لما تطرحه عليها، وهو القليل قياساً بما تعاني منه الطبقة العاملة السورية، في قطاعيها العام والخاص، في مرحلة ما قبل الأزمة والتي تضاعفت أوضاعها سوءاً مع الأزمة بما أفرزته من ويلات وعذابات لعموم الفقراء السوريين ومنهم العمال.
«لو بدها تشتي كانت غيمت»!
يقول المثل الشعبي (لو بدها تمطر كانت غيمت) وهذا المثل ينطبق على بيان الحكومة الذي قدمته لمجلس الشعب، والذي حددت فيه برنامج عملها بخطوطه الرئيسية حول البطالة والتشغيل وحول الاقتصاد المعتمد على دور استثنائي للقطاع الخاص عبر قانون التشاركية وقانون الاستثمار، وهذا يعني بقاء السياسات الاقتصادية والاجتماعية الليبرالية أساساً ثابتاً في نهج الحكومة الاقتصادي الاجتماعي، فكيف ستكون حكومة للعمال والفلاحين سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، ليبرالية يلعب السوق وقوانينه المتوحشة الدور الرئيسي في العمل وفي المستوى المعيشي والإنتاج والتبادل والتوزيع، أي أن السوق يلعب دوراً احتكارياً يؤدي إلى تراكم الثروة ومركزتها وهذا يؤدي إلى مزيد من أعداد الفقراء المنضمين إلى قوائم العوز والحرمان.
إن تبني هكذا شعار هو قرار سياسي يستند إلى موازين القوى المعبرة عن المصلحة الحقيقية للعمال والفلاحين، وعموم الفقراء، وهذا ما هو غير وارد في إطار توازن القوى الحالي، حيث السيادة لقوى رأس المال التي تحوز على الثروة الأساسية المنهوبة من منتوج العمال والفلاحين، وهذا يعبر عنه بمعادلة الدخل الوطني، التي تجمع معظم الدراسات الاقتصادية على أن نسبة الأجور إلى الأرباح هي مختلة إلى حد بعيد لصالح الأرباح 20% أجور و80% أرباح، فهل حكومة (العمال والفلاحين) ستقوم بعمليه جراحية لصالح الأجور؟ أي هل تملك القرار بأن تقوم بعملية محاربة حقيقية للفساد والفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة من قبل الفاسدين والمحتكرين الكبار وناهبي قوت الشعب لصالح العمال والفلاحين والفقراء؟ أليس هكذا تكون مكافحة الفساد الكبير بأشكاله كلها وأنواعه المكشوفة والمستورة، ليعاد تدوير واستثمار الأموال تلك بدعم الاستثمار في الصناعة والزراعة والتعليم والصحة والسكن ..الخ.
قوانين العمل
من يكتب القوانين هي الطبقة السائدة لتعبر عن مصالحها الأساسية وتبقيها المتحكم الأول في الثروة المنتجة، بأشكالها المادية والمعرفية، وهذا ينطبق على قوانين العمل من حيث الأساس وخاصةً قانون العمل 17 لعام 2010 الذي بمعظم مواده يتناقض مع مصلحة وحقوق العمال ويجعل مصيرهم متحكم به من قبل أرباب العمل، وليس في القانون من مواد تمكن العمال من الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم وإن تجرؤوا على هذا يكون مصيرهم الشارع، وهناك أمثله عديدة تعرفها الحكومات السابقة وربما الحالية بالإضافة للنقابات عن حالات دافع العمال عن حقوقهم بالإضراب عن العمل وهو يبيحه لهم الدستور السوري، ولكن القوانين السائدة ومواقف الأطراف المختلفة من هذا الحق تحرمه عليهم، فأصبح العمال في وضع مساءلة وتهديد بالفصل من عملهم بينما الجاني الحقيقي على حقوقهم لا يمكن مساءلته أو مقاضاته على استغلاله للعمال وحقوقهم، وهو يستند في هذا للقانون الذي وضعه ممثلوه.
لقد جرى تسريح عشرات الألوف من العمال على أساس قانوني العمل السائدين، وهذا باعتراف التأمينات الاجتماعية وتقارير النقابات ومذكراتها للحكومة السابقة والحالية، فهل ستقوم هذه الحكومة بتعديل قوانين العمل بما يؤمن الحقوق الكاملة للعمال، بما فيها حقهم بالإضراب عن العمل؟ أليست حكومة (العمال والفلاحين) كما قالوا للعمال والفلاحين؟!.
يقال مجدداً في المذكرات أن حقوق العمال خط أحمر إذا ما انتقص منها شيء، لأسباب إدارية أو مزاجية، ولكن إذا كانت الظروف الاستثنائية هي التي تقف وراء ذلك فمواقفنا ستكون مرهونة بالواقع الذي فرض الكثير من التحديات التي تواجه الحكومة... انتهى القول، لنقول نحن: أليست الظروف الصعبة، ويقع الجميع تحت وطأتها؟!، وبالتالي المفترض أن الجميع متساوون في تحمل هذه الظروف الصعبة، أي من المفترض أن تكون هناك عدالة بالحرمان والانتقاص من الحقوق، بينما الواقع هو عكس ذلك.. من يتحمل الحرمان وانتقاص حقوقهم هم العمال والفقراء وحدهم، بينما الآخرون ذوو الحظوة والنعم، قديمها وجديدها، يحظون بالدعم والرعاية الاستثنائية والإعفاءات الضريبية وسرقة الأموال العامة، من خلال القروض التي لا سداد لها ويحوزون على الدولارات المفترض أنها من أجل تأمين حاجات الشعب الأساسية، والعمال يدفعون الضرائب العالية قياساً بأجورهم، بالإضافة للضرائب الأخرى على الكهرباء والماء والهاتف، وحتى الهواء الذي يستنشقونه، فكيف ستكون النقابات بناءً على تحديدها لموقفها من حقوق العمال على أساس الظروف والتحديات فقط دون الأخذ بواقع انحياز الحكومات للطرف الآخر، وعدم تساوي موقف الحكومة من الطرفين كليهما؛ العمال بالطرف الأول، ومن يعتدي على حقوقهم بالطرق المختلفة بالطرف المقابل.
إن منطق القبول بما تقوله الحكومة عن نفسها سيؤدي إلى مزيد من الخسارات للطبقة العاملة التي لها كلمة فيما تقوله الحكومة وتفعله أيضاً.