أنصاف الحلول تُضيِّع حقوق العمال
حدد التعميم الصادر عن رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 17/9/2008 الشروط التالية لتثبيت العمال:
الحاجة الفعلية لهؤلاء العمال المتعاقدين، والتي يعود تقديرها لآمر الصرف.
توفر الاعتماد والشاغر
وقد قسَّم هذا التعميم العمال المؤقتين إلى قسمين:
قسم يشمله التعميم ويحق له التثبيت في حال توفر الشروط اللازمة، ومنها أن يكون العامل معيناً قبل صدور قانون العاملين الأساسي رقم /50/. والقسم الآخر يشمل المعينين بعد صدور القانون، وهؤلاء لا يحق لهم التثبيت، وهم خاضعون لما يقرره آمر الصرف الذي عيَّنهم، والذي يحق له صرفهم متى شاء. ونتيجةً لهذا التعميم بتنا الآن نشهد صرف العديد من العمال في العديد من الشركات والمؤسسات، كالشركات الإنشائية التي تضم الآلاف من العمال المؤقتين، والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وجريدة البعث، وشركة النفط، ومعمل أسمنت طرطوس، وعمال التنظيفات في المحافظات....الخ.
لقد بدأ الجدل يأخذ طريقه بين النقابات والإدارات التي بيدها الحل والربط في تثبيت العمال المؤقتين، منذ صدور هذا التعميم الإشكالي، حيث أن السؤال الذي يفرض نفسه الآن في كل الحوارات هو: هل الحكومة بتعميمها هذا تريد تثبيت العمال المؤقتين حقاً؟؟
لقد كان مطلب تثبيت العاملين يرد في كل مداخلة وفي كل مؤتمر أو اجتماع تعقده النقابات بحضور أركان الحكومة أو بغيابها، وقد أجرت النقابات العديد من الدراسات حول واقع العمال المؤقتين، وتقدمت بها إلى الحكومة، وحملت تلك الدراسات وجهة نظر واضحة حول هذه القضية وهي: إن تثبيت العمال المؤقتين لن يكلف الحكومة قرشاً واحداً لأن أجورهم معتمدة في الميزانيات، وهم مسجلون في التأمينات الاجتماعية، ولهم الحقوق نفسها في الترفيع التي يحصل عليها العامل المثبت، وبالتالي فإن إصرار النقابات على تثبيت العمال هو لضمان حقهم في العمل، ولضمان عدم لجوء الحكومة إلى تسريحات واسعة النطاق، قد تقوم بها تحت ضغط عدم وجود موارد كافية، بسبب واقع الشركات المخسرة التي لا تستطيع تأمين أجور عمالها.
أما وجهة نظر الحكومة بخصوص تثبيت العمال فقد عبر عنها رئيس مجلس الوزراء بلاءاته الثلاث الشهيرة، وكذلك وزيرة العمل بتصريحاتها حول ضرورة تغير دور الدولة فيما يتعلق بسياسة التشغيل، حيث جاءت تلك التصريحات بمثابة الصدمة للنقابات التي ترى في الحكومة شريكاً أساسياً لها في كل ما يصدر من قرارات، فلماذا تنفرد الحكومة في معالجة قضية عمالية لها انعكاساتها الكبيرة على الحركة النقابية؟
لقد قامت الحكومة إذاً بالالتفاف على واحد من أهم مطالب الحركة النقابية، وهو المطلب الذي استمرت في الصراع من أجله سنين طويلة، لتأتي استجابة الحكومة في النهاية منقوصة ومشروطة، وكأنها بتعميمها هذا تريد أن توصل رسالة واضحة للحركة النقابية، مفادها أن من يقرر في النهاية هو الحكومة، التي تمتلك خططاً وسياسات لا تستطيع أن تتجاوزها حتى وإن ضغطت الحركة النقابية وكوادرها من أجل تحقيق هذا المطلب أو ذاك، وهذا ماحل بكل مطالب النقابات التي تجاوز عددها الألفي مطلب دون أية استجابة من الحكومة.
لو أرادت الحكومة حقيقةً حلَّ مشكلة التثبيت لجاء تعميمها واضحاً لا لبس فيه، طالما أن العمال المؤقتين معينون في وظائف دائمة، ويمارسون عملهم فيها على هذا الأساس، أي أن التعميم لا يتعلق بمشاريع قيد الإنشاء تنتهي عقود عمالها مع انتهاء العمل بها. وبالنسبة للملاك العددي فهناك الكثير من الشركات التي تحتاج لتعديل ملاكها، وهناك شركات أخرى كثيرة ليس لديها ملاك، وفي هذه الحالة يمكن اعتبار خطة اليد العاملة التي تقدمها الشركات لأكثر من سنة بمثابة الملاك الذي من المفترض تثبيت العمل على أساسه. هذا فضلاً عن ضرورة الحفاظ على حق العمال المؤقتين بالتثبيت على أساس الأجر الأخير الذي يتقاضونه، وليس على أساس أجر بدء التعيين، حيث سيخسر العمال الكثير من حقوقهم الأجرية في الحالة الأخيرة، وكأن الحكومة بهذا التعميم تدفع العمال إلى الاستقالة، دون أن تلجأ هي إلى التسريح المباشر الذي يبدو أنها تتمناه كثيراً، كما تبين الخطوات التي تقوم بها منذ فترة، حيث أجرت إحصائيات للعمال الذين من المفترض أنهم فائضون، مع أن كل التقارير، وخاصةً في الشركات الإنتاجية تؤكد أن هذه الشركات تعاني من نقص في اليد العاملة.
إن قبول الحركة النقابية بأنصاف الحلول التي تطرحها الحكومة بشأن المطالب والحقوق العمالية يعني التخلي عن كل الحقوق التي يجب عليها أن تتمسك بها، مما يطرح استحقاقاً رئيسياً ينبغي على النقابات أن تواجهه: هل مازال بالإمكان اعتبار الحكومة شريكاًُ أساسياً للحركة النقابية؟